عصر التخريج والتفريع:
لقد تألق نجم المذاهب الأربعة منذ منتصف القرن الرابع، فسرت روح التقليد للأئمة الأربعة سريانا عاما اشترك فيه العلماء وجمهور الناس.
لقد تلقى الجمهور تلك المذاهب تراثا إسلاميا بلغ من القداسة كأنها وحي من الله لا يمكن النقاش فيها ولا يجوز الخروج عن إطارها، فأصبحت نصوص الأئمة الأربعة كالوحي المنزل يجب استفراغ الوسع في فهم كلامهم ومؤدى لفظهم، وقد خلف ذلك مضاعفات حالت دون تكامل الفقه، منها:
أ - نشوء روح التقليد بين فقهاء تلك الأعصار والتعصب لمذهب الأسلاف.
ب - كثرة التخريج والتفريع والترجيح بين فقهاء المذاهب، فإنهم بدل أن يبذلوا جهودهم في فهم الكتاب والسنة، انصبت جهودهم في استنباط الفروع من الأصول الثابتة عند أئمة المذاهب، ولأجل ذلك كثر التأليف والتصنيف في هذه العصور وأكثرها يحمل طابع التخريج والتفريع.
ان باب الاجتهاد وان أقفل في هذه الفترة لكن نشط الاجتهاد في إطار مذهب معين. فلذلك بدأ التخريج والتفريع في مسائل كثيرة فلم يكن لأئمتهم فيها نص، وبذلك ألفت كتب في هذا المضمار، أي استنتاج الفروع من الأصول وما لا نص فيه من أئمتهم عما فيه نص منهم.
وهذا نوع من الاجتهاد المحدد بمذهب خاص، وقد نشأ العلامة في هذه الأجواء التي تطلب لنفسها التخريج والتفريع، فشمر عن ساعد الجد وألف كتاب " تحرير الأحكام الشرعية " لتلك الغاية، ولو صح ما نقله شيخنا المجيز عن بلوغ