وفساد الهواء. كما يجعل لها تصرفا: عند غلبة بعض المواد الرديئة، التي تحدث للنفوس هيئة رديئة، ولا سيما: عند هيجان الدم والمرة السوداء، وعند هيجان المنى. فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض، مالا تتمكن من غيره -: ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب: من الذكر والدعاء، والابتهال والتضرع، والصدقة، وقراءة القرآن. فإنه يستنزل لذلك من الأرواح الملكية، ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة، ويبطل شرها، ويدفع تأثيرها. وقد جربنا - نحن وغيرنا - هذا مرارا لا يحصيها إلا الله، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطيبة، واستجلاب قربها - تأثيرا عظيما: في تقوية الطبيعة، ودفع المواد الرديئة. وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها. ولا يكاد يخرم. فمن وفقه الله: بادر عند إحساسه بأسباب الشر، إلى هذه الأسباب: التي تدفعها عنه. وهى له من أنفع الدواء.
وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره: أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها، فلا يشعر بها، ولا يريدها: ليقضى الله فيه أمرا كان مفعولا.
وسنزيد هذا المعنى - إن شاء الله تعالى - إيضاحا وبيانا: عند الكلام على التداوي بالرقى والعوذ النبوية، والاذكار والدعوات، وفعل الخيرات. ونبين: أن نسبة طب الأطباء إلى هذا الطب النبوي، كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم. كما اعترف به حذاقهم وأئمتهم: ونبين: أن الطبيعة الانسانية أشد شئ انفعالا عن الأرواح، وأن قوى العوذ (1) والرقى والدعوات فوق قوى الأدوية: حتى إنها تبطل قوى السموم القاتلة.
والمقصود: أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام والعلة الفاعلة للطاعون، وأن (2) فساد جوهر الهواء الموجب لحدوث الوباء. وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة:
لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، كالعفونة والنتن والسمية، في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه: في أواخر الصيف، وفى الخريف غالبا. لكثرة اجتماع