ولما كان الطاعون يكثر في الوباء وفى البلاد الحربية (1)، عبر عنه: بالوباء، كما قال الخليل: " الوباء: الطاعون ". وقيل: هو كل مرض يعم.
والتحقيق: أن بين الوباء والطاعون عموما وخصوصا (مطلقا)، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا. وكذلك الأمراض العامة: أعم من الطاعون، فإنه واحد منها.
والطواعين: خراجات، وقروح، وأورام رديئة حادثة في المواضع المتقدم ذكرها:
قلت: هذه القروح والأورام والخراجات (2)، هي: آثار الطاعون، وليست نفسه.
ولكن الأطباء لما لم تدرك منه إلا الأثر الظاهر: جعلوه نفس الطاعون.
والطاعون يعبر به عن ثلاثة أمور:
(أحدها): هذا الأثر الظاهر، وهو الذي ذكره الأطباء.
(والثاني): الموت الحادث عنه. وهو المراد بالحديث الصحيح، في قوله: " الطاعون شهادة لكل مسلم ".
(والثالث): السبب الفاعل لهذا الداء.
وقد ورد في الحديث الصحيح: " أنه بقية رجز أرسل على بني إسرائيل "، وورد فيه: " أنه وخز الجن " (3) وجاء: " أنه دعوة نبي " (4).
وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطباء ما يدفعها، كما ليس عندهم ما يدل عليها.
والرسل تخبر بالأمور الغائبة. وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون، ليس معهم ما ينفى أن تكون بتوسط الأرواح: فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها، أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها، وانفعال الأجسام وطبائعها عنها.
والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفا في أجسام بني آدم: عند حدوث الوباء،