خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نوعان: عام لأهل الأرض، وخاص ببعضهم. فالأول:
كعامة خطابه. والثاني كقوله: " لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا ". فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق ولا المغرب (1) ولا العراق، ولكن لأهل المدينة وما على سمتها: كالشام وغيرها. وكذلك قوله: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ".
وإذا عرف هذا: فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز وما والاهم، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم، من نوع الحمى اليومية العرضية، الحادثة عن شدة حرارة الشمس. وهذه ينفعها الماء البارد: شربا، واغتسالا. فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل بالقلب، وتنبث منه (2) - بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق - إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالا: يضر بالافعال الطبيعية.
وهى تنقسم إلى قسمين: عرضية، وهى الحادثة: إما عن الورم، أو الحركة، أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ (3) الشديد، ونحو ذلك. ومرضية، وهى ثلاثة أنواع.
وهى لا تكون إلا في مادة أولى، ثم منها يسخن (4) جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح، سميت: حمى يوم، لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتها ثلاثة أيام. وإن كان مبدأ تعلقها بأخلاط، سميت: عفنية، وهى أربعة أصناف: صفراوية، وسوداوية، وبلغمية، ودموية. وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت: حمى دق.
وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة.
وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا عظيما لا يبلغه الدواء، وكثيرا ما يكون حمى يوم وحمى