وثبت في صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ". وهذا صريح: في أنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط، ولم يصف لنا سبحانه: أنه خلقه من نار، ولا أن في مادته شيئا من النار.
(الوجه الخامس): أن غاية ما يستدلون به، ما يشاهدون: من الحرارة في أبدان الحيوان. وهى دليل على الاجزاء النارية. وهذا لا يدل: فإن أسباب الحرارة أعم من النار، فإنها تكون من النار تارة، وعن الحركة أخرى، وعن انعكاس الأشعة، وعن سخونة الهواء، وعن مجاورة النار. وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضا. وتكون عن أسباب أخر.
فلا يلزم من الحرارة النار.
قال أصحاب النار (1): من المعلوم أن التراب والماء: إذا اختلطا فلابد لهما من حرارة تقتضى طبخهما وامتزاجهما، وإلا: كان كل منهما غير ممازج للآخر ولا متحدا به.
وكذلك إذا ألقينا البذر في الطين - بحيث لا يصل إليه الهواء ولا الشمس - فسد. فلا يخلو إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع، أولا. فإن حصل: فهو الجزء الناري، وإن لم يحصل: لم يكن المركب مسخنا بطبعه، بل إن سخن: كان التسخين عرضيا. فإذا زال التسخين العرضي: لم يكن الشئ حارا في طبعه، ولا في كيفيته، وكان باردا مطلقا.
لكن: من الأغذية والأدوية ما يكون حارا بالطبع، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت: لان فيها جوهرا ناريا.
وأيضا: فلو لم يكن في البدن جزء مسخن، لوجب أن يكون في نهاية البرد. لان الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد، وكانت خالية عن المعاون والمعارض -: وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية. ولو كان كذلك: لما حصل [لها] (2) الاحساس بالبرد، لان البرد الواصل إليه: إذا كان في الغاية كان مثله، والشئ لا ينفعل عن مثله. وإذا لم ينفعل عنه: