وتوصله إلى الملسوع، فإذا قتلت: خف الألم. وهذا مشاهد: وإن كان من أسبابه فرح الملسوع واشتفاء نفسه بقتل عدوه، فتقوى الطبيعة على الألم فتدفعه. وبالجملة: غسل العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه، وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك الكيفية.
فإن قيل: فقد ظهرت مناسبة الغسل، فما مناسبة صب ذلك الماء على المعين؟.
قيل: هو في غاية المناسبة. فإن ذلك الماء (1) أطفأ تلك النارية، وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل، فكما طفئت به النار (2) القائمة بالفاعل، طفئت به وأبطلت عن المحل المتأثر، بعد ملابسته للمؤثر العائن. والماء الذي يطفأ به الحديد، يدخل في أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء. فهذا الذي طفئ به نارية العائن. لا يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الدواء.
وبالجملة فطب الطبائعية وعلاجهم بالنسبة إلى العلاج النبوي، كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم، بل أقل. فإن التفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم وأعظم من التفاوت الذي بينهم وبين الطرقية، بما لا يدرك الانسان مقداره. فقد ظهر لك عقد الاخاء الذي بين الحكمة والشرع، وعدم مناقضة أحدهما للآخر. والله يهدى من يشاء إلى الصواب، ويفتح لمن أدام قرع باب التوفيق منه كل باب. وله النعمة السابقة، والحجة البالغة.
(فصل) ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه: ستر محاسن من يخاف عليه العين، بما يردها عنه. كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: " أن عثمان رضي الله عنه، رأى صبيا مليحا، فقال: دسموا نونته لئلا تصيبه العين "، ثم قال في تفسيره: ومعنى " دسموا نونته " أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبى الصغير.
وقال الخطابي في غريب الحديث له: " عن عثمان أنه رأى صبيا تأخذه العين، فقال:
دسموا نونته. فقال أبو عمرو: سألت أحمد بن يحيى عنه، فقال: أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه، والتدسيم: التسويد. أراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العين. قال: ومن هذا حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء، أي:
سوداء "، أراد الاستشهاد على (3) اللفظة. ومن هذا أخذ الشاعر قوله: