وظهر للجميع ضعيفا هزيلا، وقامت الفتاة وأمها بدورهما لظليمتهما معلنتين، ولحقهما طالبتين، فلم يجدا من عائلة الفتى سوى الإعراض، وإذا جدا لم يجدا سوى الزجر والإهانة، ينسبون العفة لفتاهم، وينكرون على الفتاة وأمها دعواهما، ويوسمونهما بالوقاحة والرذيلة.
فقدما دعواهما للمحكمة مخاصمتين، ومضت الأيام، ودعت المحكمة الفتى العليل الهزيل، وحاكمته وهو لا يطيق الوقوف والكلام بقفص الاتهام، فكاد يخر صريعا لضعفه، وارتج عليه، وتوسل لرئيس المحكمة على المهلة وتجديد الدعوى، بعد أن نطقت الفتاة متظلمة، وشرحت ما أثار النفوس الحاضرة والجموع الثائرة، ببيان فصيح، وحماس لقلب قريح، هزت به القضاة الناصتين والجموع الصامتة.
بيد أنه أعطى الحاكم رأيه بالتجديد، وانفضت الجلسة، وإذا الهمهمة تعم القاعة، وأهل الفتى تخونهم الشجاعة، فيطلبون محاميا للدفاع عن فتاهم، وإذ يجتمع المحامي بالفتى يعود مقهورا، ويشير على موكليه بالمصالحة والزواج، وبدونها يخونهم العلاج، فتشاوروا وتباينوا في الآراء، بين مذعن لرأي المحامي، وطلب الصفح والمصالحة والوئام، وإجابة ما يرومون من زواج لقطع الخصام، وبين من يحسب ذلك عارا وذلة، والدفاع عن شرفهم ما استطاعوا إليه سبيلا.
ودارت الآراء بينهم سجالا حتى قروا على سيد الأحكام، وخصم النزاع والخصام، بصلح يعافي ابنهم الحبيب، فقد أقر ابنهم لمحاميه، لينال وبال أمره إن كان مسيئا، وحقه إن كان ذا حق، فأعلنوا لذوي الفتاة قرارهم، ووعدوهم للتقارب بالزواج، ونبذ العداء والاحتجاج، فدبت الحياة السعيدة في العاشقين، وأدبرت الأيام المريرة، وانقلبت الأتراح أفراحا، وغياهب المساء صباحا، زفت سلمى