لرياض، والتقى الحبيبان بعد أيام مريرة مرت كأحلام مزعجة، وضمهما بيت واحد هو بيت الزوجية، واستمرت الأيام الحلوة وهما أليفان لا يتفارقان، أنيسان في طبائعهما متوافقان، وزادهما الله برابطة البنوة، وشد أواصرهما برابطة قوية، وزاد في حنانيهما حنانه، ومرت سنون ثلاث أيامها مشرقة سعيدة، وساعاتها بحلو الآمال رغيدة العيش.
عاد رياض يوما من الأيام بعد العمل اليومي - وعلى خلاف عادته - وجد الدار موحشة صامتة، ولم يجد في استقباله كالعادة سلمى، فقد حملت طفلها وذهبت لزيارة صديقة لها بعد أن تركت ناسية وعلى خلاف عادتها سجل مذكراتها التي تحتفظ به بعيدا عن العيون حتى عن رياض، وفي هذه المرة بعد أن سجلت فيه آخر ذكرياتها نست إعادته إلى مكانه، فقد أشغلها قرب الموعد المضروب، وخوف الخلف، فأسرعت بطفلها تاركة السجل على طاولة المكتب.
صاح رياض مناديا سلمى ولم يسمع جوابا، فجاء يفتش الغرف حتى جلب نظره السجل، وحين تصفحه وجد دفتر مذكرات زوجته الحبيبة، ولشد ما غرق في لجج مذكراتها وهو مبتدئ بأول تعارفهم، وما أشد دهشته حينما وجدها تسجل تأريخ تعلقها به قبل أمد طويل من أول ملاحقاتهما، وهذا ما هز مشاعره لاستقصاء الحقيقة بلهفة، وإذا بها تراقبه من بعيد، وتعد العدة بما لديها من قدرة فكرية وتدبير لفرصة مناسبة تنصب شباكها لصيده، وحبالها لقيده، وهي تراقبه مراقبة الصياد لاقتناص صيده، وذلك اليوم المشهود، وكانت قد برزت بأنعم وأجل ملابسها، وسارت تتابع خطاه من بعيد بعد أن تابعته مرات، وعرفت انه من هواة الطبيعة ومباهجها، والسبل التي يسلكها، حتى إذا حل في روضة أنيقة بحشائشها السندسية، وأشجارها المياسة، وظلها الظليل، وهوائها العليل، بمياهها الجارية،