فيه أن من تلك العوامل الضربات الداخلية والضغط الشديد للوجدان. إن الوجدان الأخلاقي يسلب المجرم استقراره وراحته، ويقض عليه مضجعه ويجعل الحياة أمام عينيه سجنا لا يطاق، فالاحساس بالخيانة والاجرام يلتهب في باطن المجرم كشعلة متوهجة تحرق روحه وجسمه.
وقد يكون أثر العقوبات الوجدانية في إيجاد الاختلالات النفسية شديدا ومعقدا إلى درجة أنه لا يستطيع أي طبيب نفساني مهما كان حاذقا أن يعالجه ويعيد للمريض حالته الاعتيادية السابقة. إن المحكومين أمام قاضي الوجدان والمصابين ببعض الأمراض النفسية، أو الجنون من جراء الضغط الداخلي، يكونون في حالة خطرة جدا فقد يقومون ببعض الجرائم الكبيرة ويقودون المجتمع إلى مجموعة هائلة من المآسي والمشاكل.
«من الاختلافات الجوهرية بين الانسان والحيوان المفترس أن الحيوان المفترس يستولي على فريسته بهدوء ويأكلها ثم يرتاح لهذا العلمل ويتلذذ به، في حين أن الانسان إذا قتل أحد أبناء جنسه يقع في خوف وألم شديدين. وحيث لا يستطيع أن يطرد هذا الخوف والألم من نفسه يتشبث لاثبات حقانيته بالتهم الكاذبة فيلصقها بضحيته ومن دون أن يحس أنه قد صار بصورة متهم يدافع عن نفسه باستمرار، ويتحامل على الأفراد الآخرين الذين يحتمل أن يلوموه على أفعاله، وبهذه الصورة فان الخطأة الأولى لا يقف أثرها على إيجاد الاختلالات العظيمة في مرتكبها، بل أنها تجر وراءها سلسلة من الجرائم الجديدة والفظيعة التي ترتبط بتألم الوجدان الأخلاقي والإحساس بالحقارة».
«ولأجل الوجدان الأخلاقي هذا، الذي لا مفر من لومه وعذابه، يكون الانسان أكثر توحشا من الحيوان المفترس. هذه المخاوف ليست من آثار غريزة الهجوم بل انها دليل صادق على قوة الوجدان الأخلاقي عند الانسان، تلك القوة التي لا تقبل الانكسار