في أحوال المجانين، أجاب بصراحة بأنه لم يفهم بعد السبب في فقدان الناس عقولهم ولم يتوصل أحد إلى سر الموضوع بالضبط. ومع ذلك فهو كان يقول بأن كثيرا من هؤلاء المجانين الذين عالجتهم وجدت أن الجنون يرضي فيهم الشعور بالأنانية، فكأنهم يجدون في عالم الخيال ما هم محرومون منه في حياتهم الاعتيادية. ثم نقل لي هذه القصة فقال: توجد هنا تحت العلاج سيدة أصيبت بحادث مزعج في حياتها الزوجية، حيث كانت تأمل أن تحرز منزلة عالية في المجتمع بعد الزواج والحصول على الأولاد والعيش المرفه لكن حوادث الدهر هدمت قصر آمالها، فهجرها زوجها إلى درجة أنه لم يرغب في أن يتناول الطعام معها، فأجبرها على أن تسكن الغرفة الواقعة في الطابق السفلي من العمارة. هذا الحادث دفع بها إلى الجنون، والآن ترى نفسها في عالم الخيال وكأنها تطلقت من زوجها السابق، وتزوجت من مليونير إنكليزي، وتصر على أن نسميها: الليدي سميث، أضف إلى أنها تتصور في كل ليلة أنها ولدت طفلا. فمتى ما تراني تقول لي: (سيدي الدكتور لقد ولدت البارحة طفلا)» (1).
وهكذا، فإن الذين يعمرون نفوسهم بآمال طوال، ويبقون في أسر الميول المفرطة يجب أن يعلموا أنهم مصابون بمرض خلقي وانحراف روحي. وكما قال الامام علي (ع): « الهوى داء دفين» هذا الداء يؤدي إلى الجنون أحيانا، وقد يجر في بعض الأحيان إلى الموت الحتمي، يقول الامام علي (ع): «من جرى في عنان أمله عثر بأجله» (2).
وما أكثر الذين قتلوا حتف آمالهم الطويلة البعيدة، وما أكثر الرجال والنساء المنتحرين لعدم تحقيق أمنياتهم وعدم وصولهم إلى آمالهم غير الناضجة!!.