ذلك ليتولى تحصيل هذه الإرادات مباشرة من الممولين ويستولي عليها سدادا لراتبه أو حقه أو غير ذلك، وظهر على ذلك ما عرف بإقطاع الاستغلال... وقد ترتب على ذلك حدوث اضطرابات داخلية نتيجة للظلم والتعسف في جمع هذه الأموال (1). ويقول الحافظ أبي بكر بن محمد: آل الحال إلى أن استأثر كثير من الناس بأموال بيت المال من غير قيام بمصلحة ولا اتصاف بصفة استحقاق (2).
وقد رأى نظام الملك (عام 486 ه) أن يفرق الإقطاعات على الجند ولم يكن هذا من عادة الخلفاء من لدن عمر بن الخطاب، وأراد نظام الملك بذلك أن كل من أقطع قرية يعتني بعمارتها وتوفير غلتها. ثم تغيرت الأحوال واختل النظام.
وصارت الولاة وأتباعهم من الأجناد يجاهدون في الرعايا من المسلمين وغيرهم بسلب أموالهم وتعذيبهم، ومن وقف أمام ظلمهم رموه بالعصيان أو وسموه بالبغي والعدوان واستباحوا قتاله واغتنام ماله. وأصل هذا الفساد بل كل فساد في الدين من ولاة الجور وقضاة الرشا وفقهاء السوء وصوفية الرجس، كما قال عبد الله بن المبارك: أو هل أفسد الدين إلا الملوك وأحباء السوء ورهبانها، فإن الولاة لما فسدوا وامتدت أطماعهم إلى أن أخذوا أموال الناس، واستأثروا بأموال الصالح واعتقدوها مملوكة لهم، تعدى الفساد إلى القضاة والفقهاء وأرباب المناصب بل إلى الكافة، وتقلد الأمانات الخونة فباعوا الدين بالدنيا، وعلم الأتباع منهم أنهم قد خانوا الله. وقالوا: ما لنا لا نخون، وقد روى ابن عبد ربه أن مروان بن الحكم أرسل وكيلا إلى قرية له في الغوطة ثم حضر إليه في بعض الأيام فقال له مروان: يا هذا أظن أنك تخونني في ضيعتي. فقال له: أو تظن ذلك ولم تستيقنه؟ والله إني أخونك وأنت تخون أمير المؤمنين وأمير المؤمنين يخون الله، فلعن الله أشر الثلاثة (3). ثم زاد الفساد