والخلاصة: أن البحث عن المصلحة مطلب فطري. ولكن كلما كان الباحث عن المصلحة لا مصلحة له فيما يبحث - بمعنى أن يكون لا مطمع له في مال أو جاه أو غير ذلك نظير فتواه - أصابت فتواه دائرة الفطرة. وأيضا كلما كان الباحث عن المصلحة عالما بالكتاب الذي لا يمسه إلا المطهرون وبالسنة التي يشهد لها الكتاب. ساقت فتواه الناس إلى صراط الله الذي لا اختلاف فيه. فإذا لم يتوفر الطهر والعلم والعدل في الباحث عن مصالح الناس. كان الناس من سنن الأولين أقرب.
2 - نظرات على فدك:
فدك قرية تبع عن المدينة مسافة يومين أو ثلاثة. أرضها زراعية خصبة.
فيها عين فوارة ونخيل كثيرة (1) يقدر نخيلها بنخيل الكوفة في القرن السادس الهجري (2)، وكان جماعة من اليهود يسكنون فدك ويستثمرونها حتى السنة السابعة للهجرة. فلما حارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهود خيبر لنقضهم العهد بينهم وبين رسول الله وفتح حصونهم وبقي حصنان أو ثلاثة منها لم تفتح حاصرهم الرسول صلى الله عليه وآله. فلما اشتد بهم الحصار راسل أهلها رسول الله على أن يؤمنهم على حياتهم وينزلوا له عن حصونهم وأرضهم. فقبل النبي صلى الله عليه وآله بعرضهم هذا. وما حدث يوم خيبر أرعب أهل فدك. ولكن اتفاقية أهل الحصون المحاصرة مع النبي صلى الله عليه وآله فتحت أمام أهل فدك بابا للأمل. فلما جاءهم رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى الإسلام أبوا أن يسلموا ولكنهم استعدوا أن يقدموا نصف أرضهم للنبي مع الاحتفاظ لأنفسهم بالنصف الآخر على أن يعملوا في أرضهم وأرض رسول الله. ومتى شاء النبي أن يجليهم عن أرضهم فعل شريطة أن يعوضهم عن أتعابهم وأرضهم فصارت فدك ملكا لرسول الله بنص القرآن الكريم