من أهل الكتاب الإيمان الحق. وعندما أخبر الله تعالى رسوله بأن هذه الأنماط البشرية لن تؤمن وأنهم يسعون في الأرض فسادا ويسارعون فيه، كانت عملية إجلائهم عملية تستقيم تماما مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وعملية الإجلاء نسبها الله تعالى إلى نفسه فقال: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب...)، فالله سبحانه هو الذي أخرج بني النضير من ديارهم في أول إخراجهم من جزيرة العرب، وأي إخراج لهم في العهد النبوي يقف تحت هذا العنوان. إن الدعوة لم تضاعف عليهم الجزية وإنما أخرجتهم لأن في الإخراج انتصارا للفطرة، وتأمينا للعاصمة من مخاطر الاختراق والدسائس التي يجيدها الذين يسعون في الأرض فسادا.
والدعوة التي حصنت نفسها بالتطهير من الداخل، عملت من أجل إيجاد المسلم الرسالي الذي إذا وضع قدميه على أرض جديدة في الجزيرة العربية أو خارجها. عمل من أجل نشر مفاهيم الدعوة، وكلما جد جديد خرجت الطوائف الرسالية إلى العاصمة ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم وينشروه بين الأقوام إذا رجعوا إليهم. وعلى ذلك كان تقسيم الأراضي على الغانمين هو في الحقيقة موطئ قدم لداعية.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت الذاكرة عند المسلمين تحتوي على وصايا منها إخراج المشركين من جزيرة العرب، ولكن الدولة نظرا لظروف خارجة عن إرادتها، ونظرا للمصلحة العامة ضاعفت الجزية على نصارى بني تغلب، كما سمحت بدخول سبي العجم إلى المدينة، وكان أول سبي دخلها في عهد أبي بكر ثم بعث معاوية أبي عمر في عهده بعدة ألوف من سبي قيسارية.
وكان عمر نفسه ضحية من ضحايا السبي، حيث إن الذي طعنه كان غلاما مجوسيا. ومع حركة الفتوحات هبت رياح تحمل آثارا وبصمات كان يعتقد أنها ذهبت بلا رجعة.
3 - رحلة الخراج:
3 - رحلة الخراج:
مع الفتوحات جاء حرص الدولة على تدبير المال اللازم لحماية الحدود،