الملك والجبرية وحولها وقف علماؤهم لإرساء قواعد الاستبداد. فقالوا بفصل الدين عن السياسة بحجة أن العمل السياسي ليس عملا دينيا لكنه فعل بشري يحتمل الخطأ والصواب ويمكن نقضه أو نقده أو العدول عنه. وتحت هذه الحجة ارتكبت أفظع الجرائم في حق المسلمين ولم يستطع أحد أن ينقض أو ينقد لأن الفعل البشري تحت قبة الجبروت لا يمكن نقده أو العدول عنه. ونتيجة لهذا برزت مشكلة أساسية ألا وهي اجتزاء المسلمين على السلطة وخروجهم عليها باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة. وطمعا في الحكم تارة أخرى. لقد كانت البداية حصون على الرمال. وكانت الخاتمة شقوق ودهاليز تحت سطح الأرض. وبين هذا وذاك ترى الأحداث التي أدت إلى الخسف.
1 - من معالم الرأي:
إذا أردنا أن ننسب الرأي إلى أصوله فسنجد أن أهم أصوله عمر بن الخطاب. فقد كانت شخصيته من أبرز شخصيات الصحابة في هذا الباب يقول الدكتور عبد الحميدة متولي: لم يقتصر عمر فحسب على الاجتهاد أو استعمال الرأي حيث لا نص من كتاب أو سنة إنما ذهب إلى مدى أبعد من ذلك. إذ كان يعمد إلى الاجتهاد أو بعبارة أخرى. استعمال الرأي ليبحث عن وجهة العدالة أو المصلحة حتى رغم وجود نص من الكتاب أو السنة. فكان لذلك لا يفسر النص طبقا لحرفيته. وإنما يفسره طبقا لحكمته ولو أدى هذا التفسير إلى عدم تطبيق النص (1)، فمثلا قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم)، لقد رأى عمر أن الحكمة التي أدت إلى تقريب ذلك الحكم الشرعي قد زالت. والأمثلة في هذا الباب كثيرة (2)، وكثير من الصحابة كما ذكر الإمام محمد عبده " كانوا إذا رأوا المصلحة في شئ يحكمون به وإن خالف