الكتاب والسلطان سيفترقان فدوروا مع الكتاب حيث دار، وستكون عليكم أئمة إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم. قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى نصبوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة خير من حياة في معصية (1).
قال في عون المعبود: خذوا العطاء ما كان محلة فإذا كان أثمان دينكم فدعوه، فإذا (تجاحفت) أي تنازعت قريش على الملك، أي تخاصموا وتقاتلوا عليه، وقال كل واحد منهم أنا أحق بالملك أو بالخلافة منك وتنازعوا في ذلك فاتركوا أخذه (2). وفيما سبق علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من تيار يدق أوتاد التنافس والتحاسد والتدابر والتباغض، وكان يعلم أن هذا واقع على الأمة لا محالة لسوء اختيارها، وأن نهاية الطريق بعد فتح فارس والروم ستصب في محطة البغي، فقال صلى الله عليه وسلم: " سيصيب أمتي داء الأمم الأشر والبطر والتكاثر والتشاحن في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي " (3). وتحديد محطة البغي لا ينبغي أن تحددها الأهواء. ولهذا عين النبي صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وقال له في حديث أجمعت الأمة على صحته: " تقتلك الفئة الباغية " فمحطة عمار هي المحطة الأم لمن أراد أن يفهم الحديث السابق. أما تحديد محطات أخرى صغيرة بمعرفة هذا أو ذلك فأمر لا يلتفت إليه.
لقد كانت الفتوحات مطلب فطري، ولكن أمراء السوء حولوها إلى مطلب تجاري. ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيادة تركب أعناق الأمة فقال: " كأنكم براكب قد أتاكم فنزل فقال: الأرض أرضنا والفئ فيؤنا وإنما أنتم عبيدنا فحال بين الأرامل واليتامى وما أفاء الله