بتصرف الأجناد وغيرهم في الإقطاعات تصرف الملاك بالبيع والشراء، وأمضى لهم الولاة ذلك، واشترك في هذا الأمر الخاص والعام، ومن يصلح للجهاد ومن لم يصلح، ومن يستحق في بيت المال ومن لا يستحق. ثم اشتد حرص الولاة وأركان الدولة على جمع الأموال وأخذ الرشا، ورخصوا في الأمور فاغتنم الجهال ذلك منهم وأرضوهم بسخط الله، ووثب كل فريق. واستأثر بما تصل إليه قدرته من أموال بيت المال وغيرها، وكثر التنازع والتنافس في ذلك حتى آل الحال إلى أن حولوا كثيرا من الجهات المختصة ببيت المال إلى الملك والوقف والرزق المؤبد، وجعلوا ذلك وسيلة إلى حوز الدنيا لهم ولذراريهم من بعدهم، واستنبطوا في ذلك أنواعا من الحيل يخدعون بها الخلق (1)، كانت هذه شهادة لمؤرخ يصف فيها ما حدث في عصره وغير عصره.
ويقول مؤرخ آخر وهو يتحدث عما شاهده في دولة المماليك بمصر (2):
في زماننا فسد الحال... وصارت الإقطاعات ترد من جهة الملوك على سائر الأموال من خراج الأرضين والجزية وزكاة المواشي والمعادن والعشر وغير ذلك، ثم تفاحش الأمر وزاد حتى أقطعوا المكوس على اختلاف أصنافها وعمت البلوى والله المستعان في الأمور كلها (3).
ويقول مؤرخ آخر يصف حال زمانه (4): إن أرض مصر أربعة وعشرين قيراطا، فيختص السلطان فيها بأربعة قراريط (أي يحصل السلطان على سدس مساحة الأرض الزراعية في مصر)، ويختص الأجناد بعشرة قراريط (ما يعادل 7، 41. /. من خراج أرض مصر، ويختص الأمراء بعشرة قراريط. وكان الأمراء يأخذون كثيرا من إقطاعات الأجناد فلا يصل إلى الأجناد منها شئ، ويصير ذلك الاقطاع في دواوين الأمراء ويحتمي بها قطاع الطرق وتثور بها الفتن، ويمنع منها