المؤمنين يعرف بعضهم بعضا، ويتحدثون بروح الله وإن لم يلتقوا وأن لم يتكلموا، ويتعارفوا وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل. فقال له هرم:
حدثني عن رسول الله بحديث أحفظه عنك؟ قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن لي معه صحبة، ولقد رأيت رجالا رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي (1)، ولقد قاتل أويس بعد ذلك تحت راية علي بن أبي طالب واستشهد بين يديه.
وسيأتي ذلك عند حديثنا عن معارك أمير المؤمنين.
هذا ما كان من أمر أويس الذي ادخره الله ليأتي في زمان لله حكمة فيه.
وعندما جاء رفضه حتى توصية الأمراء به. وهذا ما كان من أمر البصرة التي أخبر عنها رسول الله من قبل أن يتخذها الناس مصرا من الأمصار، وإخبار فيه إدانة لحياتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية. ثم إن طلب عمر بن الخطاب وهو الخليفة الراشد أن يستغفر له أويس وهو الذي لم ير النبي ولم يسمع منه فيه أن الإسلام دين لا يدعو إلى التعتم أمام الأشخاص. ويدعو أن يكون الشغل في الله والهمة به والفرار إليه، والشاهد الأخير هنا على أن الناس في عهد الفاروق كثير منهم تطاولت أعناقهم في طلب الدنيا. ما رواه مسلم عن عبد الله بن الحارث قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا. قلت: أجل... " الحديث (2)، وأبي بن كعب مات في خلافة عمر على أصح الروايات (3)، وطلب الدنيا ينتهي دوما إلى زوال. أخرج ابن جرير عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا شبعت ماتت. وكذلك ابن آدم إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله عند ذلك ثم تلى: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ