أولا - نور في أعماق الوجود 1 - المنابع:
إن جميع موجودات العالم ما نر وما لا نرى ما نعلم وما لا نعلم، تنتهي في وجودها وآثارها إلى الله الواحد الأحد عز وجل، ولأنها منها وإليه، فلا يمكن لأي موجود في الوجود من الفراد من ملكه جل أنه، ولأن جميع الموجودات في هذا العالم حياتها وقدرتها وعلمها متصل بالله تعالى، فلا يمكن لموجود مهما كان قدره وعلمه من الفرار من الله الذي يملك كل شئ، فقد خلق سبحان الخلق لهدف من ورائه حكمة، وأوجب سبحانه على نفسه فتح الطريق لعبادة وهداية عباده إليه قبل أن يخطوا فيه خطوة واحدة.
فكما أن حبة القمح توضع في الأرض فتنشق للنمو قاصدة في نموها اتجاها واحدة لتكون شجرة كاملة عليها سنابلها، وكما أن نطفة الحيوان تعرف طريقها فتتوجه إلى اتجاه واحد ينتهي بها إلى إيجاد النوع، فكذلك الإنسان من أول بداية التكوين يتجه في طريق نحو غاية واحدة على امتدادها يكدح حتى يلاقي ربه، والعبودية هي الغرض الإلهي من خلق الإنسان، وحقيقة العبادة أن يضع الإنسان نفسه في مقام الذلة والعبودية، ويوجه وجهه إلى مقام ربه، طاهر النفس عن الكفر بمراتبه، وعن الاتصاف بالفسق كما قال تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر) (1).
وقوله تعالى: (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) (2).