وبعد أكان يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصراع والتهديد بإجلاء هؤلاء وقتل هؤلاء؟ إن ما ذكرناه اتفق عليه أصحاب الحديث والتراجم والسير واعتبروه من المسلمات. فهل يجوز على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك أمته ليكون الحال كما رأينا وهو الذي قال إني تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها سواء. لقد وقف كل طرف يسأل الإمارة. ولقد روى الإمام مسلم أن رجلين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك. فقال النبي: أنا والله لا تولي هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا أحرص عليه (1)، لقد طلب كل منهما بعض ما ولاه الله. ولكن هيهات. إن الأمر لله ورسوله والرسول قد يشاور أصحابه في أمر ما ولكن في النهاية فإن العزم له وحده فإذا عزم فاعلم أن العزم لهدف ومن وراء الهدف حكمة. وقد يعكف البعض على أرضية المشاورة ويعتقدون أنه ما دام الرسول كان يشاورهم فإن لكلمتهم الخلود. وفاتهم أن الخلود يمكن في دائرة العزم وحدها ومن تعدى هذه الدائرة فلا يؤمن عليه من الفتن قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)، فهكذا أشركهم سبحانه في المشاورة ووحد رسوله في العزم.
ولقد عزم الرسول أن لا يولي هذا العمل أحد سأله ولا أحد أحرص عليه.
4 - صراع خارج السقيفة.
روى الزبير بن بكار في كتابه: " الموفقيات والزبير " - قال فيه الذهبي: إمام ثقة من أوعية العلم (2) - لما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، وروى الإمام البخاري عن أنس أنه بعد بيعة أبو بكر سمع عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة وكان قبل ذلك قد بايعته طائفة من