المعنى. قال المفسرون: أي لا موجب للخشية بعد يأس الذين كنتم في معرض الخطر من قبلهم. فأنتم في مأمن من ناحية الكفار. ولا ينبغي لكم مع ذلك الخشية منهم على دينكم. فلا تخشوهم واخشوني. فالدين مصون من الخطر المتوجه من قبلهم. وإنه لا يتسرب إليه شئ من طوارق الفساد والهلاك إلا من قبل المسلمين أنفسهم. وإن ذلك إنما يكون بكفرهم بهذه النعمة التامة.
ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي. ويومئذ يسلبهم الله نعمته ويغيرها إلى النقمة ويذيقهم لباس الجوع والخوف.
ومن أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية من قوله: (فلا تخشوهم واخشون)، فعليه أن يتأمل فيما استقر عليه حال العالم الإسلامي اليوم. ثم يرجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخية حتى يحصل على أصول القضايا وأعراقها. لقد يأس الكفار عندما أيقنوا أن الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم خرج عن مرحلة القيام بالحامل الشخصي. إلى مرحلة القيام بالحامل النوعي. والحامل الشخصي عمود فقري للحامل النوعي. ولقد ضربهم اليأس عندما علموا أن الدين خرج من صفة الظهور والحدوث. إلى صفة البقاء والدوام. وصفة الظهور والحدوث رحى تدور عليها صفة البقاء والدوام. وفي عالم اليأس قرقعت أنياب الحيتان. وسرى صوتها ليلا في الوادي الواسع العريض.
ثانيا - يوم غدير خم:
بعد حجة الوداع عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هو ومن معه. وكان قد أحث يوم الحج على التمسك بالكتاب والعترة وحذر الأمة من الاختلاف والافتراق وقتل بعضهم بعضا. وفي هذا الحج أخذ الناس عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم. وما أعلنه الرسول وما حث الناس عليه، كان على مستوى المساحة الواسعة للأمة. وهذه المساحة تختلف عن المساحة الأم.
بمعنى أن الأمور التي تتعلق بالقيادة لا تعلن إلا في دائرة مساحة القيادة. لذا نراه صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة عندما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) لم يأت بأفراد المساحة الواسعة وإنما تحدث أمام ناس