فهو التقاطع. وأما التباغض فهو بعد التدابر (1). وهذا الطوفان من الكراهية مفتاحه إذا فتحت عليهم فارس والروم!!، وقال صلى الله عليه وآله لأصحابه: كيف أنتم بعدي إذا شبعتم من خبز البر والزبيب وأكلتم ألوان الطعام ولبستم ألوان الثياب، فأنتم اليوم خير أم ذاك؟ قالوا: ذاك، فقال: بل أنتم اليوم خير (2). وقال صلى الله عليه وآله: فوالله ما الفقر أخشى عليكم. ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم (3).
فهل وقع الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإذا كان قد وقع فما هي الأسباب وعلى أيدي من جرت؟
إن الذي جرى كان أمراء السوء مفتاحه وفقهاء السوء أقلامه. ولا يستطيع باحث أن ينكر أن معاوية بن أبي سفيان قد استغل الخراج إلى أبعد مدى لشراء الذمم وسفك دماء المسلمين، وإن عمرو بن العاص ساند معاوية لهدف واحد هو كطعمة بعد أن ذاق خراجها في عهد الفاروق، وأن يعلى بن منية استعمل الخراج في تقوية عائشة والزبير لخوض معركتهم مع علي بن أبي طالب. وغير ذلك وعلى امتداد التاريخ كان الخراج مادة الأمراء في تثوير الناس، كان الخراج رشوة تحمل شعارا إسلاميا الإسلام منه برئ. والنبي صلى الله عليه وآله حذر من هذه الرشوة التي علم من ربه أنها كائنة على طريق أمراء السوء، فقال في خطبة الوداع: يا أيها الناس خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش على الملك وكان عن دين أحدكم فدعوه (4). وفي رواية: " خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا كان إنما هو رشا فاتركوه، ولا أراكم تفعلون يحملكم على ذلك الفقر والحاجة، ألا إن رحى بني مرج قد دارت وإن رحى الإسلام دائرة وإن