أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا " (1). ولقد علمت متى دخلت السبايا ومتى قالوا بالرأي. وأول نقص دخل كان من باب التخاذل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا إتق الله ودع ما تصنع فإنه لا عمل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
ثم تلى رسول الله قوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم)، إلى قوله: (فاسقون) ثم قال: " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن من المنكر، ولتأخذون على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا (2) ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم " (3).
فهذا أول النقص. فإذا لم يدفع منذ البداية. فلا جدوى من فعل أي شئ بعد ذلك لأن الشبل أصبح أسدا. قالوا: يا رسول الله متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: " إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا كانت الفاحشة في كباركم والملك في صغاركم والعلم في رذالكم " (4). لهذا قال النبي في روايات كثيرة وهو يتحدث عن أمراء السوء " لا أن الناس اعتزلوهم " فهذا الدواء خاص بالداء في أول الطريق. أما استفحال الداء بعد ذلك فله فقه آخر.
ومما لا شك فيه أن الفتوحات قذفت على الأمة بالسبايا وبالرأي وبأمراض أول الطريق التي لم يشعر بها أكثر الناس نظرا للبريق الذي حولها وحولهم.