والقناعة، وأظهرا الخشوع والورع، وعمدا إلى من تقبل قوله العامة ومن ينتصرون به إن خاصمهم مخاصم في أمر الخلافة فحملوهم على الرقاب، وولوهم الولايات والأعمال، ووفروهم في العطاء، وحثوا لهم الأموال حثوا، وأغمضوا عنهم في الحدود، وأسقطوا عنهم عقوبات الجنايات بالمدافعة والرأي، فلذا أطيعا وبجلا في الحياة والممات، ولم يكن الثالث كذلك، بل أراد أن يسلك مسلك الملوك مع ادعائه أنه في مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجرى عليه ما جرى ولو أنهما فعلا مثل فعله لأصابهما مثل ما أصابه، فليسا بأعز ناصرا منه، ولا أكثر نفرا، ولو فعل مثلما فعلا لنال من طاعة العامة ما نالا، ولماذا لم يفرق ابن أبي الحديد بين أمر الخلافة وما يتعلق بها من الأغراض الدنيوية، والشهوات النفسية، ولم يستلزم مخالفة النص فيها الخروج عن الملة سند جمهور الصحابة، بل تزيد تقوية في الدين عندهم وبين تغيير الكعبة وشهر رمضان الذي يوجب عند كافة المسلمين الارتداد والخروج من دين الإسلام مع أنه لا يتعلق لهم به غرض، ولا يوجب لهم صلاح أمر لو سلموا من الضرر إذا فعلوه، ألا تراهم إذا أمنوا في تحويل المقام عن موضعه حولوه فاستبعد منهم تغيير النص في الخلافة كما استبعد منهم تغيير الكعبة التي كان أهل الجاهلية يعظمونها ويهدون الهدي إليها فضلا عن المسلمين، وشهر رمضان الذي هو عند أهل الإسلام بمنزلة الصلاة تارك صومه كافر وأين هذا من ذاك؟ وهل يرتاب لبيب في الفرق بين الأمرين أو يشك فطن في أن ما يتعلق بالخلافة من الأغراض غير ما يتعلق بالكعبة وشهر رمضان؟ ثم اترك ذا جانبا واقض عجبا من ابن أبي الحديد فإنه يسمع من يقول إنا ظلمنا عليا وغصبنا حقه لأنه صغير السن أو كذا مما ذكر فيجيبه بنفي هذا الاعتراف ويقول: أنا استبعد منك ذلك كما استبعد منك أن تترك الصلاة والصوم، أو تصلي لغير الكعبة، وهذه الشبهة الضئيلة المتهافتة هي أيضا معتمد الأشاعرة في إنكار النص كما هي معتمد المعتزلة، وفي بعض
(٥٢٦)