زمانه إلى الإقرار بخلق القرآن قسرا، ولما أبصر أولئك المحدثين حد السيف مشهرا عمدوا إلى مصانعة المأمون في دعواه وأسروا معتقدهم في صدورهم، ولما عوتبوا على ما ذهبوا إليه من موافقة المأمون برروا عملهم بعمل عمار بن ياسر (1) والقصة شهيرة وصريحة في جواز اللجوء إلى التقية التي دأب البعض على التشنيع فيها على الشيعة.
والذي دفع بالشيعة إلى التقية بين إخوانهم وأبناء دينهم إنما هو الخوف من السلطات الغاشمة، فلو لم يكن هناك في غابر الزمان - من عصر الأمويين ثم العباسيين والعثمانيين - أي ضغط على الشيعة، كان من المعقول أن تنسى الشيعة كلمة التقية وأن تحذفها من ديوان حياتها، ولكن يا للأسف أن كثيرا من إخوانهم كانوا أداة طيعة بيد الأمويين والعباسيين الذين كانوا يرون في مذهب الشيعة خطرا على مناصبهم فكانوا يؤلبون العامة من أهل السنة على الشيعة يقتلونهم ويضطهدونهم وينكلون بهم، ونتيجة لتلك الظروف الصعبة لم يكن للشيعة، بل لكل من يملك شيئا من العقل، وسيلة إلا اللجوء إلى التقية أو رفع اليد عن المبادئ المقدسة التي هي أعلى عنده من نفسه وماله والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
التقية المحرمة إن التقية كما تجب لحفظ النفوس والأعراض والأموال، إنها تحرم إذا ترتب عليها مفسدة أعظم، كهدم الدين وخفاء الحقيقة على الأجيال الآتية، وتسلط الأعداء على شؤون المسلمين وحرماتهم ومعابدهم، ولأجل ذلك ترى أن كثيرا من أكابر الشيعة رفضوا التقية في بعض الأحيان وقدموا أنفسهم وأرواحهم أضاحي من أجل الدين.