الأخرى، حتى تخالفوا واستعدوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا، تفكر في مخلص من هذه الورطة.
ثم إن أبا أمية بن المغيرة، الذي كان أسن قريش كلها، اقترح عليهم اقتراحا، فقال: يا قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه، أول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه، ففعلوا، فكان أول داخل عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأوه قالوا: " هذا الأمين رضينا، هذا محمد " فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال ص: هلم ثوبا، فأتي به فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال:
لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده، ثم بنوا عليه كما أرادوا ". (1) ب. الظروف التي فيها نشأ وادعى النبوة الصورة العامة التي يمكن رسمها عن العرب الجاهليين، إنه كان مجتمعا غارقا إلى آذانه في عبادة الحجارة والأوثان، والفساد الذريع في الأخلاق، يظهر في شيوع القمار والزنا، ووأد البنات، وأكل الميتة، وشرب الدم، والغارات الثأرية، وغير ذلك من التقاليد والأعمال السيئة التي نقلها المؤرخون ولا حاجة للتفصيل.
والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وليد هذه البيئة المتدهورة، نشأ وترعرع فيها، وقضى أربعين عاما بينهم، فإذا به قد بعث بأصول وآداب ومعارف، تضاد ما كان سائدا في تلك البيئة، فلو كان هو في تعاليمه مستمدا من بيئته، لكان قد تأثر بها ولو في بعض هذه التقاليد.