ثم إن هذا العلم الذي يعطي صاحبه مصونية كاملة عن المعاصي، ليس من سنخ العلوم المتعارفة لتسرب إليه التخلف، بل هو علم خاص فوقها ربما يعبر عنه بشهود العواقب، وانكشافها كشفا تاما لا يبقى معه ريب، يقول العلامة الطباطبائي (قدس سره):
" إن هذا العلم يخالف سائر العلوم في أن أثره العملي وهو صرف الإنسان عما لا ينبغي إلى ما ينبغي، قطعي غير متخلف دائما، بخلاف سائر العلوم فإن الصرف فيها أكثري غير دائم ". (1) والحاصل أن للعلم مرحلة قوية راسخة، تغلب الإنسان على الشهوات وتصده عن فعل المعاصي والآثام وإلى هذا أشار الفاضل المقداد السيوري (المتوفى 826 ه) بقوله:
" العصمة ملكة نفسانية تمنع المتصف بها من الفجور مع قدرته عليه، وتتوقف هذه الملكة على العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، لأن العفة متى حصلت في جوهر النفس وانضاف إليها العلم التام بما في المعصية من الشقاء، وفي الطاعة من السعادة، صار ذلك العلم موجبا لرسوخها في النفس، فتصير ملكة ". (2) 2. حب المعبود يمنع عن معصيته: إن الإنسان إذا عرف خالقه كمال المعرفة الميسورة، واستغرق في شهود كماله وجماله، وجد في نفسه انجذابا نحوه، وتعلقا خاصا به على نحو لا يستبدل برضاه شيئا، ويدفعه