قطعا عن طاقة الإنسان مهما ترقى في درجات العلم، وإليك بيان الشرطين الأساسيين لذلك:
الأول: معرفة المقنن بالإنسان إن أول وأهم خطوة في وضع القانون، معرفة المقنن بالمورد الذي يضع له القانون، وعلى ضوء هذا، لا بد أن يكون المقنن عارفا بالإنسان:
جسمه وروحه، غرائزه وفطرياته، وما يصلح لهذه الأمور أو يضر بها، وكلما تكاملت هذه المعرفة بالإنسان كان القانون ناجحا وناجعا في علاج مشاكله وإبلاغه إلى السعادة المتوخاة من خلقه.
الثاني: عدم انتفاع المقنن بالقانون وهذا الشرط بديهي، فإن المقنن إذا كان منتفعا من القانون الذي يضعه، سواء كان النفع عائدا إليه أو إلى من يمت إليه بصلة خاصة، فهذا القانون سيتم لصالح المقنن لا لصالح المجتمع، ونتيجته الحتمية الظلم والإجحاف.
فالقانون الكامل لا يتحقق إلا إذا كان واضعه مجردا عن حب الذات وهوى الانتفاع الشخصي.
أما الشرط الأول: فإنا لن نجد في صفحة الوجود موجودا أعرف بالإنسان من خالقه، فإن صانع المصنوع أعرف به من غيره، يقول سبحانه:
(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). (1) إن عظمة الإنسان في روحه ومعنوياته، وغرائزه وفطرياته، أشبه ببحر كبير لا يرى ساحله ولا يضاء محيطه، وقد خفيت كثير من جوانب حياته