الإجمالي إلى أن هناك منعما يجب معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته شكرا لنعمائه، أو دفعا للضرر المحتمل.
5. لا يوجد الشئ إلا بالوجوب السابق عليه قد ثبت في الفلسفة الأولى أن الموجود الممكن ما لم يجب وجوده من جانب علته لم يتعين وجوده ولم يوجد، وذلك: لأن الممكن في ذاته لا يقتضي الوجود ولا العدم، فلا مناص لخروجه من ذلك إلى مستوى الوجود من عامل خارجي يقتضي وجوده، ثم ما يقتضي وجوده إما أن يقتضي وجوبه أيضا أو لا. فعلى الأول وجب وجوده، وعلى الثاني، بما أن بقاءه على العدم لا يكون ممتنعا بعد، فيسأل: لماذا اتصف بالوجود دون العدم؟ وهذا السؤال لا ينقطع إلا بصيرورة وجود الممكن واجبا وبقائه على العدم محالا، وهذا معنى قولهم: " إن الشئ ما لم يجب لم يوجد ".
هذا برهان القاعدة، ورتب عليها القول بالجبر، لأن فعل العبد ممكن فلا يصدر منه إلا بعد اتصافه بالوجوب، والوجوب ينافي الاختيار.
والجواب عنه: إن القاعدة لا تعطي أزيد من أن المعلول إنما يتحقق بالإيجاب المتقدم على وجوده، ولكن هل الإيجاب المذكور جاء من جانب الفاعل والعلة أو من جانب غيره؟ فإن كان الفاعل مختارا كان وجود الفعل ووجوبه المتقدم عليه صادرا عنه بالاختيار، وإن كان الفاعل مضطرا كالفواعل الكونية كانا صادرين عنه بالاضطرار.
والحاصل: أن الوجوب المذكور في القاعدة وإن كان وصفا متقدما على الفعل، ولكنه متأخر عن الفاعل، فالمستفاد منه ليس إلا كون الفعل موجبا (بالفتح) وأما الفاعل فهو قد يكون أيضا كذلك وقد يكون موجبا (بالكسر)، فإن أثبتنا كون الإنسان مختارا فلا تنافيه القاعدة المذكورة قيد شعرة.