بوحدة الحقيقة، نعم يكون الأثر من حيث الشدة والضعف، تابعا لمنشئه من هذه الحيثية، فالوجود الواجب بما أنه أقوى وأشد، يكون العلم والدرك والحياة والتأثير فيه مثله، والوجود الإمكاني بما أن الوجود فيه أضعف يكون أثره مثله، ولأجل ذلك ذهب الإلهيون إلى القول بسريان العلم والحياة والقدرة إلى جميع مراتب الوجود الإمكاني، ويشهد الكتاب العزيز على صحة نظريتهم في مجال السريان العلمي والدركي إلى جميع مراتب الوجود.
إذا وقفت على هذين الأصلين تقف على النظرية الوسطى في المقام وأنه لا يمكن تصوير فعل العبد مستقلا عن الواجب، غنيا عنه، غير قائم به، قضاء للأصل الثاني، وبذلك يتضح بطلان نظرية التفويض، كما أنه لا يمكن إنكار دور العبد بل سائر العلل في آثارها قضاء للأصل الثالث، وبذلك يتبين بطلان نظرية الجبر في الأفعال ونفي التأثير عن القدرة الحادثة.
فالفعل مستند إلى الواجب من جهة ومستند إلى العبد من جهة أخرى، فليس الفعل فعله سبحانه فقط بحيث يكون منقطعا عن العبد بتاتا، ويكون دوره دور المحل والظرف لظهور الفعل، كما أنه ليس فعل العبد فقط حتى يكون منقطعا عن الواجب، وفي هذه النظرية جمال التوحيد الأفعالي منزها عن الجبر كما أن فيها محاسن العدل منزها عن مغبة الشرك والثنوية.
إيضاح وتمثيل هذا إجمال النظرية حسب ما تسوق إليه البراهين الفلسفية، ولإيضاحها نأتي بمثال وهو أنه لو فرضنا شخصا مرتعش اليد فاقد القدرة، فإذا ربط رجل بيده المرتعشة سيفا قاطعا وهو يعلم أن السيف المشدود في يده سيقع على آخر ويهلكه، فإذا وقع السيف وقتل، ينسب القتل إلى من