الإلهي، فلما كان العدل عندهم هو الأصل والأساس في سائر المباحث، عمدوا إلى تطبيق مسألة أفعال العباد عليه، فوقعوا في التفويض لاعتقادهم بأن القول بكون أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه ينافي عدله تعالى وحددوا بذلك خالقيته تعالى وسلطانه. والذي أوقعهم في هذا الخطأ في الطريق، أمران:
أحدهما: خطأوهم في تفسير كيفية ارتباط الأفعال إلى الإنسان وإليه تعالى، فزعموا أنهما عرضيان، فأحدهما ينافي الآخر ويستحيل الجمع بينهما، وبما أنهم كانوا بصدد تحكيم العدل الإلهي لجأوا إلى التفويض ونفي ارتباط الأفعال إلى الله تعالى، قال القاضي عبد الجبار:
" إن من قال إن الله سبحانه خالقها (أفعال العباد) ومحدثها، فقد عظم خطأه، وأحالوا حدوث فعل من فاعلين ". (1) يلاحظ عليه: أن الإنسان لا استقلال له، لا في وجوده، ولا فيما يتعلق به من الأفعال وشؤونه الوجودية، فهو محتاج إلى إفاضة الوجود و القدرة إليه من الله تعالى مدى حياته، قال سبحانه:
(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد). (2) وثانيهما: عدم التفكيك بين الإرادة والقضاء التكوينيين والتشريعيين، فالتكويني منهما يعم الحسنات والسيئات بلا تفاوت، ولكن التشريعي منهما لا يتعلق إلا بالحسنات، قال سبحانه:
(إن الله لا يأمر بالفحشاء). (3)