من اجتهاد النبي (ص) وأعلى مرتبة، لأن النبي (ص) قد كان يجوز عليه وقوع الخطأ في الإجتهاد، والدليل على ذلك: أن الله تعالى ذكره قد عاتبه في أسارى بدر وأنزل: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، وقال عز وجل: عفا الله عنك لم أدنت لهم، وما جرى مجرى ذلك. فلما امتنع أن يكون اجتهاد الأمة أفضل من اجتهاد النبي (ص)، وكان النبي (ص) قد جاز عليه وقوع الخطأ في الإجتهاد، دل ذلك على جواز وقوع الخطأ على الأمة فيما نقوله من طريق الرأي قال أبو بكر: قد أجيب عن هذا بأجوبة، أحدها: أن اجتهاد النبي (ص) لا يقع فيه خطأ، لأن معاصي الأنبياء عليهم السلام ولو كانت صغائر مغفورة فغير جائز وقوعها في شئ يظهر للناس، ويلزمهم فيه الاتباع والاقتداء بالنبي (ص) ولو ظهرت معاصي الأنبياء ظاهرة للناس لكان فيه تنفير عن الطاعة، وإيحاش عن السكون والطمأنينة إلى صحة ما ظهر من الأنبياء عليهم السلام.
ومن الناس من أجاب: أنا نقول إن اجتهاد النبي (ص) أفضل من اجتهاد الأمة، ومعناه أنه أفضل من اجتهاد كل واحد منهم في نفسه، ولا نعني بذلك أن اجتهاده أفضل من اجتهاد الأمة مجتمعة، كما نقول: إن صلاة النبي (ص) أفضل من صلاة الأمة، وإنما المعنى: أنها أفضل من صلاة كل واحد منهم في نفسه، لا أنها أفضل من صلوات جميع الأمة بأسرها مجتمعة، وكما نقول: فلان أقوى من إخوة فلان وهم عشرة، والمعنى أنه أقوى من كل واحد منهم في نفسه). انتهى.
وهكذا وصل الأمر بعلماء السلطة أن يجعلوا الأمة الملخصة بالصحابة، والصحابة الملخصين بأبي بكر وعمر، أفضل من النبي صلى الله عليه وآله وأقوى حجية من إجماعه!! وقد لاحظت أن الجصاص ارتضى الوجه الأخير، ولم يعلق عليه!!
* *