من الأشياء الموضوعية، مفاهيمها وماهياتها، والمفهوم الذي ينعكس فيه عن تلك الأشياء يختلف عن الواقع الخارجي، في الوجود والخصائص. فالعالم يمكنه ان يكون فكرة علمية دقيقة عن الميكروب وتركيبه، ونشاطه الخاص وتفاعلاته مع جسم الانسان، ولكن الفكرة مهما كانت دقيقة ومفصلة، لا توجد فيها خواص الميكروب الخارجي، ولا يمكنها ان تؤدي نفس الدور الذي يؤديه واقعها الموضوعي. والفيزيائي قد يكتسب مفهوما علميا دقيقا عن ذرة الراديوم، ويحدد وزنها الذري، وعدد ما تحويه من كهارب، وشحنات سالبة وموجبة، وكمية الاشعاع الذي ينبثق عنها، ونسبته العلمية الدقيقة إلى الاشعاع الذي ترسله ذرات الأورانيوم، إلى غير ذلك من المعلومات والتفاصيل... غير أن هذا المفهوم مهما تعمقنا فيه، أو تعمق في الكشف عن اسرار عنصر الراديوم، لن يكتسب خواص الواقع الموضوعي، أي خواص الراديوم، ولن يشع الاشعاع الذي تولده ذرات هذا العنصر، وبالتالي لن يتطور مفهومنا عن الذرة إلى إشعاع، كما تتطور بعض الذرات في المجال الخارجي.
وهكذا يتضح ان قوانين الواقع الموضوعي وخواصه، لا توجد في الفكرة ذاتها. ومن تلك القوانين والخواص الحركة. فهي وان كانت من الخواص العامة للمادة، ومن قوانينها الثابتة. ولكن الحقيقة في ذهننا، أو الفكرة التي تعكس الطبيعة، لا توجد فيها تلك الخاصية، فلا يجب في الفكرة الصحيحة ان تعكس الواقع الموضوعي، بخصائصه وألوان نشاطه المختلفة، والا لم نكن نملك فكرة حقيقية في جميع أفكارنا.
فالميتافيزيقية مع ايمانها بان الطبيعة هي عالم الحركة والتطور الدائم، تختلف عن الديالكتيك، وترفض عموم قانون الحركة للمفاهيم الذهنية، لأنها لا يمكن ان تتوفر فيها جميع خصائص الواقع الموضوعي. وليس معنى هذا أن الميتافيزيقيين إذا كونوا مفهوما عن الطبيعة في مرحلة من مراحلها جمدوا أفكارهم، وأوقفوا بحوثهم، واعتبروا ذلك المفهوم كافيا لاستكناه اسرار الطبيعة، في شتى مراحلها، فلا نعرف عاقلا يكتفي مثلا بالمفهوم العلمي، الذي يكونه عن البويض، فلا يتابع سير الكائن الحي في المرحلة الثانية،