ينتهون إليه عليه السلام كما بين ذلك في مظانه، كما تجده عند استقراء كلامه عليه السلام وكلام من بعده من العلماء، وذلك مستلزم لأفضليته على سائر الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما العفة فقد كان له عليه السلام فيها الآية، ويكفيك في التنبيه على حاله فيها مطالعة كلامه في نهج البلاغة، نحو كتابه إلى عثمان بن حنيف الأنصاري عامله بالبصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم فأجاب إليها، وقوله فيه " ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد " وقوله فيه " وأيم الله يمينا استثنى فيها بمشية الله تعالى لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما وتقنع بالملح مأدوما ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ويأكل علي من زاده فيهجع، قرت إذن عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية " إلى غير ذلك من كلامه عليه السلام. والتواتر شاهد بأنه كان على حالة تشهد بأنه ازهد الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله.
وأما الشجاعة: فالخوض في إثباتها له يجري مجرى إيضاح الواضحات.
وأما العدالة: فهي ملكة تنشأ عن هذه الملكات الثلاث وتلزمها، ويكفي في التنبيه عليها قوله عليه السلام " والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما فيها على أن أسلب نملة جلب شعرة ما فعلته "، وذلك أبلغ ما يوصف من ترك الظلم والحصول على وسط العدل وفضيلته.
فثبت بهذا أنه عليه السلام كان مستجمعا لأصول الفضائل وأنه فيها أكمل من غيره وأما أن كل من كان كذلك فهو أفضل فلأنه لا معنى للأفضل إلا الأكثر فضلا.