وقوله " ويعفو عن كثير " (1) فنقول: هذا العفو إما أن يكون عبارة عن إسقاط العقاب عمن يحسن عقابه، أو عمن لا يحسن عقابه. والقسم الثاني باطل، لأن عقاب من يقبح عقابه قبيح، ومن ترك مثل هذا القبيح لا يقال إنه عفا. وأما إذا كان له أن يعذبه فترك تعذيبه يقال إنه عفا، فتعين الأول.
(الثاني) إنه لو كان العفو عبارة عن إسقاط العقاب عن التائب لكان قوله " يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات " تكرارا من غير فائدة، فعلمنا أن العفو عبارة عن إسقاط العقاب عمن يحسن عقابه.
(الثالث) قوله تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " (2) وجه الدليل: أن قوله " ويغفر ما دون ذلك " يفيد القطع بأنه تعالى يغفر كل ما سوى الشرك، ويندرج في ذلك الصغيرة والكبيرة بعد التوبة وقبلها ثم قوله بعد ذلك " لمن يشاء " يدل على أنه يغفر كل ذلك، لكن لا للكل بل للبعض، فكان غفران الكبيرة والصغيرة منه صادقا.
(الرابع) قوله تعالى " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " (3).
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد أنه تعالى يغفر جميع الذنوب مع التوبة، وهذا أولى لأن حملها عليه يقتضي بقاء الآية على ظاهرها، وعلى ما ذكرتم يلزم أن يكون الكفر مغفورا قبل التوبة، وأنتم لا تقولون به.
قلت: ما ذكرته يستلزم الاضمار، وما ذكرناه وإن استلزم التخصيص بالكفر