كل ما يصح عليه العدم فله محل هو مادته.
لكن ذلك باطل، لما بينا أنها ليست بجسم ولا بجسماني، ولأن ما فرض مادة يجب أن لا يقبل العدم وإلا لافتقر إلى مادة أخرى، ولا محالة ينتهي إلى مادة لا مادة لها، فذلك الشئ غير قابل للفساد.
واعترض الإمام: بأنا لا نسلم أن الإمكان أمر ثبوتي، وحينئذ لا يستدعي محلا ثابتا. سلمنا، لكن النفس مسبوقة الحدوث بالإمكان وإلا لم تحدث، ولما لم يوجب الإمكان السابق كونها مادية فكذلك إمكان عدمها.
سلمناه، لكن لا يلزم من بقاء مادة النفس بقاء النفس، لأن المركب لا يبقى ببقاء واحد من أجزائه، وحينئذ لا يمكن القطع بحصول السعادة والشقاوة للنفس وبقاء كمالاتها لكونه مشروطا ببقاء صورتها الفانية.
وأجابوا عن الأول: بأنا نعني بالإمكان الاستعداد التام، وظاهر كونه ثبوتيا.
وبه ظهر الجواب عن الثاني أيضا، لأن الإمكان السابق هو الإمكان الخاص اللازم للماهيات في العقل، وإمكان عدمها المستدعى مادة هو الاستعداد التام، وفرق بينهما وإن اشتركا في لفظ الإمكان.
وعن الثالث: أنهم إنما يكتفون ببقاء المادة لأن المادة إذن تكون جوهرا مجردا غنيا عن المادة باقيا مع فناء ما يحل فيه، ويلزم بالدليل الذي ذكروه في وجوب كون النفس المجردة مدركة لذاتها ولمبدأها كونه كذلك، فيكون هو النفس، والصورة التي فرضت كانت عرضا زائلا وكمالاتها علمها بمبادئها وذلك من لوازمها.