كما في المرايا المتقابلة (خطابية) لا تفيد إلا ظنا ضعيفا (وثانيها) أي ثاني تلك الأمور المختصة بالنبي (أن يظهر منه الأفعال الخارقة للعادة لكون هيولى عالم العناصر مطيعة له منقادة لتصرفاته انقياد بدنه لنفسه) في حركاته وسكناته على وجوه شتى وأنحاء مختلفة بحسب إرادته (ولا يستنكر) ذلك الانقياد (لأن النفوس الإنسانية) ليست منطبعة في الأبدان (وهي بتصوراتها مؤثرة في المواد) البدنية (كما تشاهد من الاحمرار والاصفرار والتسخن عند الخجل والوجل والغضب) هذا نشر على ترتيب اللف (و) كما نشاهد (من السقوط من المواضع العالية القليلة العرض يتصور السقوط وإن كان ممشاه في غيرها) أي في المواضع السافلة (أقل عرضا) وإذا كانت إرادة النفس وتصوراتها مؤثرة في البدن مع عدم الانطباع فيه (فلا يبعد أن تقوى نفس النبي) بحيث تنقاد له الهيولى العنصرية فتؤثر فيها إرادته وتصوراته (حتى تحدث بإرادته في الأرض رياح وزلازل وحرق وغرق وهلاك أشخاص ظالمة وخراب مدن فاسدة) وبالجملة تتصرف نفسه في العنصريات خصوصا في العنصر الذي تكون مناسبته لمزاجه أشد وأقوى بمجرد الإرادة والتصور من غير أن يستعمل آلة (وكيف) يستنكر حدوث هذه الأمور الخارقة العجيبة من النبي ونشاهد مثلها من أهل الرياضة والإخلاص) على ما هو مشهور في كل عصر من الصلحاء (قلنا هذا) الذي ذكرتم من كون تصورات النفس وإرادتها مؤثرة في الأبدان (بناء على تأثير النفوس في الأجسام) وأحوالها وقد بينا بطلانه بما سلف من أن لا مؤثر في الوجود إلا الله) سبحانه وتعالى (والمقارنة) بين التغيرات البدنية وبين التصورات والإرادات النفسية (لا تعطيه) أي لا تدل على كونها مؤثرة فيه لجواز أن يكون الدوران بطريق العادة (مع أنه) أي ظهور الأمور العجيبة الخارقة للعادة (لا يختص بالنبي) كما اعترفتم به فكيف تميزه عن غيره (وثالثها أن يري الملائكة مصورة) بصور محسوسة (ويسمع كلامهم وحيا) من الله إليه (ولا يستنكر أن يحصل له في يقظته مثل ما يحصل للنائم في نومه) من مشاهدة أشخاص يكلمونه بكلام منظوم دال على معان مطابقة للواقع وذلك (لتجرد نفسه عن الشواغل البدنية وسهولة انجذابه إلى عالم القدس) فإذا انجذبت إليه واتصلت به في يقظته شاهد المعقولات كمشاهدة المحسوسات فإن القوة المتخيلة تكسو المعقول المرتسم في النفس لباس المحسوس وتنقشه في الحس المشترك على نحو انتقاش المحسوسات فيه من خارج (وربما صار) الانجذاب
(٢٢٠)