والاتصال بعالم القدس (ملكة) أي صفة راسخة للنبي (و) حينئذ (يحصل) له ذلك الانجذاب وما يترتب عليه من المشاهدة (بأدنى توجه) منه (قلنا هذا) الذي ذكروه لا يوافق مذهبهم واعتقادهم بل هو (تلبيس) على الناس في معتقدهم (وتستر) عن شناعته بعبارة لا يقولون بمعناها) وذلك (لأنهم لا يقولون بملائكة يرون بل الملائكة عندهم) إما (نفوس مجردة) في ذواتها متعلقة بأجرام الأفلاك وتسمى ملائكة سماوية أو عقول مجردة ذاتا وفعلا وتسمى بالملأ الأعلى (ولا كلام لهم يسمع لأنه من خواص الأجسام) إذا لحرف والصوت عندهم من الأمور العارضة للهواء المتموج كما سلف فلا يتصور كلام حقيقي للمجرات (ومآله) أي مآل ما ذكروه في الخاصة الثالثة (إلى تخيل ما لا وجود له في الحقيقة كما للمرضي والمجانين) فإنهم يشاهدون ما لا وجود له في الخارج (على ما صرحوا به) وقرروا ما هو
السبب فيه ولا شك إن ذلك إنما يكون على سبيل التخيل دون المشاهدة الحقيقة) ولو كان أحدنا آمرا وناهيا من قبل نفسه بما يوافق المصلحة ويلائم العقل لم يكن نبيا باتفاق) من العقلاء (فكيف) يكون نبيا من كان أمره ونهيه (من قبيل ما يرجع إلى تخيلات لا أصل لها) قطعا (أو ربما خالف) ما دعا إليه (المعقول) أيضا (هذا) كما مضى (ثم إنهم قالوا من اجتمعت فيه هذه الخواص) الثلاث (انقادت له النفوس البشرية (المختلفة) بطوعها (مع ما جبلت عليه من الآباء) عن الانقياد لبني نوعها (وذلت له الهمم المتفاوتة على ما هي عليه من اختلاف الآراء فيصير) ذلك الانقياد التام ظاهرا وباطنا (سببا لقرار) أي ثبات (الشريعة التي بها يتم التعاون الضروري لنوع الإنسان) وإنما كان التعاون ضروريا لهذا النوع (من حيث إنه لا يستقل) واحد منهم (بما يحتاج إليه في معاشه من مأكله ومشربه وملبسه (دون مشاركة من أبناء جنسه في المعاملات) وهو أن يعمل كل واحد لآخر مثل ما يعمله الآخر له (والمعاوضات) وهي أن يعطي كل واحد صاحبه من عمله بإزاء ما يؤخذ منه من عمله ألا تري إنه لو انفرد إنسان وحده لم يتيسر أو لم تحسن
____________________
فيها (قوله كما للمرضى والمجانين) قد يجاب عنه بأن خلاصة كلامهم أن النفس الإنسانية إذا اتصلت بالمبادئ العالية يتمثل بقوته المتخيلة العقول المجردة والنفوس السماوية أشباحا مصورة سيما العقل الفعال الذي له زيادة اختصاص بعالم العناصر فيخاطبه بكلام مسموع ويكون ذلك من قبل الله تعالى وملائكته وفيه تخيل صورة لموجود وكم بينه وبين تخيل ما لا وجود له أصلا كما للمرضى والمجانين