لمن اشتهر بهذا الاسم (لإنبائه عن الله تعالى وقيل) النبي مشتق (من النبوة وهو الارتفاع) يقال تنبئ فلان إذا ارتفع وعلا والرسول عن الله موصوف بذلك (لعلو شأنه) وسطوع برهانه (وقيل من النبي وهو الطريق لأنه وسيلة إلى الله تعالى وأما) مسماه (في العرف فهو عند أهل الحق) من
الأشاعرة وغيرهم من المليين (من قال له الله) تعالى ممن اصطفاه من عباده (أرسلتك) إلى قوم كذا وإلى الناس جميعا (أو بلغهم عني ونحوه من الألفاظ) المفيدة لهذا المعنى كبعثتك ونبئهم (ولا يشترط فيه) أي في الارسال (شرط) من الأعراض والأحوال المكتسبة بالرياضات والمجاهدات في الخلوات والانقطاعات (والاستعداد) ذاتي من صفاء الجوهر وذكاء الفطرة كما يزعمه الحكماء (بل الله) سبحانه وتعالى (يختص برحمته من يشاء من عباده) فالنبوة رحمة وموهبة متعلقة بمشيئته فقط (وهو أعلم حيث يجعل رسالاته) وفي دلالة هذه الآية على المطلوب نوع خفاء كما لا يخفي (وهذا) الذي ذهب إليه أهل الحق (بناء على القول بالقادر المختار) الذي يفعل ما يشاء ويختار ما يريد (وأما الفلاسفة فقالوا هو) أي النبي (من اجتمع فيه خواص ثلاث) يمتاز بها عن غيره (إحداها) أي إحدى الأمور المختصة به (أن يكون له اطلاع على المغيبات) الكائنة والماضية والآتية (ولا يستنكر) هذا الاطلاع (لأن النفوس الإنسانية مجردة) في ذاتها عن المادة غير حالة فيها بل هي لا مكانية (ولها نسبة) في التجرد (إلى المجردات) العالية والنفوس السماوية (المنتقشة بصور ما يحدث في هذا العالم) العنصري الكائن الفاسد لكونها
____________________
قدمها مع حدوث التعلق أو قدمه أيضا مع حدوث المتعلق غير معقول فإن قلت ذلك التفسير يفضي إلى توقف النبوة على ثبوت الكلام وقد استدل عليه فيما سبق بما تواتر من الأنبياء وهل هذا إلا دور صريح قلت الذي توقف عليه النبوة هو الكلام اللفظي وهو من قبيل إيجاد الأصوات والحروف الغير المتوقف على الكلام النفسي القائم به تعالى والمأخوذ من الشرع هو هذا فلا دور (قوله نوع خفاء كما لا يخفى) لأن المطلوب إن المخصص مجرد المشيئة والآية إنما تدل على أنه تعالى يعلم المكان الذي يجعل فيه رسالته وهذا أمر آخر بل دلالة الآية الكريمة على اشتراط الاستعداد أظهر لما روي أن أبا جهل قال تزاحمنا بنو عبد مناف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت الآية للرد عليهم بأن النبوة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالته من علم أنه يصلح لها كذا في تفسير القاضي ثم هذا لا يستلزم الايجاب الذي يقوله الفلاسفة لأنه تعالى إن شاء أعطى النبوة وإن شاء أمسكه وإن استعد المحل وقد يقال إذا شاورك أحد فقلت له أنت تعلم ما تصنع استفيد منه بحسب العرف تفويض أمره إلى مشيئته وفيه ما فيه (قوله المنتقشة بصور ما يحدث الخ) قد سبق تفصيله في عاشر مقاصد القدرة