كذبه ممكن في نفسه فلا يلزم التباس وسيأتي (وثانيهما الاجماع على تعليل
الأحكام) الشرعية (بالمصالح والمفاسد) ولو توقف
الحسن والقبح على ورود الشرع كما زعمتم لامتنع تعليل الأحكام بها (وفي منعه سد باب القياس وتعطل أكثر الوقائع من الأحكام وأنتم لا تقولون به قلنا اهتداء العقل إلى المصالح والمفاسد أوليس من المقصود في شئ كما مر) من أن المصلحة والمفسدة راجعة إلى ملائمة الغرض ومنافرته ولا نزاع في أنه عقلي نعم رعايته تعالى في أحكامه مصالح العباد ودفع مفاسدهم تفضل منه عندنا وواجب عليه عندكم بناء على أصلنا وأصلكم (وقد يحتج بلزوم إفحام الأنبياء) وعجزهم عن إثبات نبوتهم على تقدير كون
الحسن والقبح شرعيين (وقد مر في باب النظر) من الموقف الأول (* تفريع * إذا ثبت أن الحاكم
بالحسن والقبح هو الشرع) دون العقل (ثبت أن لا حكم) من الأحكام الخمسة وما ينتمي إليها (للأفعال قبل الشرع وأما
المعتزلة فقالوا ما يدرك جهة حسنة أو قبحه بالعقل) من الأفعال التي ليست اضطرارية (ينقسم إلى الأقسام الخمسة لأنه إن اشتمل تركه على مفسدة فواجب أو فعله فحرام وإلا فإن اشتمل فعله على مصلحة فمندوب أو تركه فمكروه وإلا) أي وإن لم يشتمل شئ من طرفيه على مفسدة ولا مصلحة فمباح وأما ما لا يدرك جهته بالعقل) لا في حسنه ولا في قبحه (فلا يحكم فيه) قبل الشرع (بحكم خاص تفصيلي في فعل فعل) إذ لم يعرف فيه جهة تقتضيه (وأما على سبيل الاجمال) في جميع تلك الأفعال (فقيل بالحظر والإباحة والتوقف * دليل الحظر أنه تصرف في ملك الغير بلا إذنه) لأن الكلام فيما قبل الشرع (فيحرم كما في الشاهد والجواب الفرق بتضرر الشاهد) دون الغائب وأيضا حرمة التصرف في ملك الشاهد مستفادة من الشرع (* دليل الإباحة وجهان * أحدهما أنه تصرف لا يضر المالك فيباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره والنظر في مرآته والجواب
____________________
(قوله وما ينتمي إليها) أي من الثواب والعقاب (قوله في فعل فعل) الظاهر أن فعل الثاني تأكيد للأول ويحتمل حذف المضاف أو العاطف أي دون فعل أو وفعل (قوله وأما على سبيل الاجمال) حاصل كلامه أنه إذا لوحظ خصوصيات تلك الأفعال لم يحكم فيها بحكم خاص لعدم إدراك جهة تقتضيه وأما إذا لوحظت بهذا العنوان أعني بكونها مما لا يدرك بالعقل جهة حسنها وقبحها يحكم فيها به وهذا هو معنى الحكم على سبيل الاجمال وبالجملة لا شك في اختلاف الأحكام باختلاف العنوان فيجوز أن لا يدرك جهة حسن فعل أو قبحه إذ لوحظ بخصوصه فيتوقف حكمه ويدرك جهة واحدة منهما إذا لوحظ بالعنوان المذكور هذا كالحكم بأن كل مؤمن في الجنة وكل كافر في النار مع التوقف في المعين منهما وبهذا التقرير اندفع ما قيل عدم إدراك الجهة يقتضي التوقف فكيف قيل بالحظر