لهم لا نسلم إن التفضل بالثواب قبيح) بل لا قبح هناك أصلا ولو سلم قبحه فإنما يقبح ممن
يجوز عليه الانتفاع والضرر لا من الله تعالى فإنه
يجوز أن يتفضل به (كما تفضل) على عباده (بما لا يحصى من النعم في الدنيا) وأنت خبير بأن المستقبح عندهم هو التفضل بالتعظيم الموعود دون النعم كما صورناه لكنه سند للمنع فلا يجدي دفعه (وإن سلم قبحه) من الله تعالى أيضا فيمكن التعريض له) أي للثواب (بدون هذه المشاق) العظيمة (إذا ليس الثواب على قدر المشقة وعوضا) مساويا لها (ألا ترى إن في التلفظ بكلمة
الشهادة من الثواب ما أوليس في كثير من العبادات الشاقة) كالصلاة والصيام (وكذا الكلمة المتضمنة لإنجاء نبي) من
ظالم يريد إهلاكه (أو تمهيد قاعدة خير أو دفع شر عام) إذ يستحق بهذه الكلمة من الثواب ما يزيد على ثواب كثير من العبادات وإن كانت أشق منها (وما يروي) من (أن أفضل العبادات أخمزها) أي أشقها (فذلك عند التساوي في المصالح) فلا ينافي أن يكون الأخف الأسهل أكثر ثوابا إذا كان أكثر مصلحة وأعظم فائدة وإذا أمكن التعريض المذكور بدون تلك المشاق كان التكليف بها عاريا عن الغرض (ثم إنه) أي ما ذكرتم من أن التكليف تعريض للثواب (معارض بما فيه من تعريض الكافر والفاسق للعذاب) إذا لولا التكليف لم يستحقا عقابا (ومن أين لكم أن ذلك) التعريض للثواب (أكثر من هذا) أي التعريض للعذاب بل نقول إن الثاني أكثر من الأول لأن الغلبة للكفرة والفسقة وإذا لم تكن المنفعة أكثر من المضرة لم تصلح تلك المنفعة لأن تكون غرضا للحكيم العالم بأحوال الأشياء كلها الآتي بالأفعال على وجهها فبطل ما ذكرتموه من غرض التكليف
____________________
ألا ترى أن الأمير إذا أمر الزبال بأن يزبل نقرة واقعة في الطريق ففعله ثم أعطاه كثيرا من المال وأجله غاية الاجلال فنزل له ولو قام بين يديه معظما له ومكرما إياه وأمر خدمه بتقبل أنامله يذم عند العقلاء أيضا (قوله كالصلاة والصيام هذا يدل على أن كلمة الشهادة أفضل منهما وفيه بحث إذ الظاهر أن الصلاة أفضل منهما لاشتمالها عليها وعلى غيرها وسنذكر تمام الكلام فيه في الثواب في توضيح قوله صلى الله تعالى عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة الحديث قبل التلفظ بكلمة الشهادة أشق على النفس الكافرة من الصلاة وأمثالها لأن فيه ترك دين اعتاده ولذا تراهم يبدلون أنفسهم وأموالهم دون كلمة الشهادة نعم تلفظه بعد الإسلام أسهل لكن لبقاء الشئ حكم ابتدئه وأنت خبير بأن في الصلاة أيضا بل في كل عمل شرعي يتمثل به الكافر من حيث إنه ملتقى من النبي عليه السلام ترك دين اعتاده على أنه أوليس الكلام في تلفظ الكافر (قوله معارض بما فيه من تعريض الكافر) قد يجاب عنه بأن التعريض للثواب مع التمكين من اكتساب السعادة الأبدية هي المحسنة للتكليف ولا يبطل حسنه بتعذيب الكافر والفاسق لسوء اختيارهما (قوله فبطل ما ذكرتموه من عرض التكليف) قال في شرح المقاصد الحق