(وثانيهما إن من عن له تحصيل غرض من الأغراض واستوي فيه
الصدق والكذب فإنه يؤثر
الصدق قطعا) بلا تردد وتوقف فلولا أن حسنه مركوز في عقله لما اختاره كذلك (وكذا من رأى شخصا قد أشرف على
الهلاك وهو قادر على إنقاذه مال إلى إنقاذه قطعا) واستغرق في ذلك طوقه (وإن لم يرج منه ثوابا ولا شكورا كما أن كان المنقذ طفلا أو مجنونا وليس ثمة من يراه ولا يتصور فيه غرضا من جذب نفع أو دفع ضر) بل ربما يتضرر فيه بتعب شاق فلم يبق هناك حامل سوى كون الانقاذ حسنا في نفسه (والجواب أما حديث اختيار
الصدق فلأنه قد تقرر في النفوس كونه ملائما لمصلحة العالم و) كون (
الكذب منافرا) لها (ولا يلزم من فرض الاستواء تحققه) فاختياره
الصدق لملائمة تلك المصلحة لا لكونه حسنا في نفسه (وأما حديث الانقاذ فذلك لرقة الجنسية وذلك مجبول في الطبيعة وسببه أنه يتصور مثله في حق نفسه) أي يتصور إشرافه على
الهلاك (فيستحسن فعل المنقذ له إذا قذره فيجره ذلك إلى استحسانه من نفسه حق الغير وأما) الطريقان (الإلزاميان فأحدهما لو حسن من الله كل شئ) كما اقتضاه مذهبكم من القبح إنما هو لأجل
النهي الذي لا يتصور في أفعاله تعالى (الحسن) أي لم يمتنع (منه
الكذب وفي ذلك إبطال الشرائع وبعثة الرسل بالكلية لأنه قد يكون في تصديقه للنبي) بالمعجزة (كاذبا ولا يمكن) حينئذ (تمييز النبي عن المتنبي) فلا تثبت
الأحكام الشرعية وتنفى فائدة
البعثة (وأنه باطل إجماعا ولحسن منه) أيضا (خلق المعجزة على يد الكاذب وعاد المحذور) الذي هو سد باب النبوة (والجواب أن مدرك امتناع
الكذب) منه تعالى (عندنا أوليس هو قبحه) العقلي حتى يلزم من انتفاء قبحه أن لا يعلم امتناعه منه إذ
يجوز أن يكون له مدرك آخر وقد تقدم هذا) في مباحث كونه تعالى متكلما (ودلالة المعجزة) على
صدق المدعى (عادية) فلا تتوقف على امتناع
الكذب كما في سائر العلوم العادية التي ليست نقائضها ممتنعة فنحن نجزم بصدق من ظهرت المعجزة على يده مع أن
____________________
بطريق أن يقول لو وجد نبي لقبح قبله (قوله أي لم يمتنع من الكذب الخ) إنما فسر الحسن بعدم الامتناع إيماء إلى أن مبنى بطلان الشرائع عدم الامتناع حتى لو جعل فعل الله تعالى واسطة لتم الالزام أيضا ولأن الحسن بمعنى عدم النهي مسلم عند المعتزلة أيضا (قوله لأنه قد يكون في تصديقه للنبي عليه السلام الخ) الجواب والسؤال مبنيان على أن التصديق بالمعجزة إخبار خاص وقد مر ما فيه وإن أريد بالكذب في السؤال الكذب العقلي فالجواب يستفاد من قوله ودلالة المعجزة عادية (قوله ودلالة المعجزة عادية) هذا في التحقيق جواب آخر فتأمل