فلا بد) لكم أولا (من تصويره) أي تصوير ذلك الأمر الآخر حتى نفهمه ونتصوره (ثم) لا بد ثانيا (من تقريره) أي بيانه ثبوت ذلك المفهوم للفعل على تقدير خلوه من الغرض (ثم) لا بد ثالثا (من الدلالة على امتناعه) أي استحالة الفعل المتصف بذلك المفهوم الآخر (على الله سبحانه وتعالى) حتى يتم لكم مطلوبكم وقد يقال في الجواب أن العبث ما كان خاليا عن الفوائد والمنافع وأفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصي راجعة إلى مخلوقاته تعالى لكنها ليست أسبابا باعثة على إقدامه وعللا مقتضية لفاعليته فلا تكون أغراضا له ولا عللا غائية لأفعاله حتى يلزم استكماله بها بل تكون غايات ومنافع لا فعله وآثار مترتبة عليها فلا يلزم أن يكون شئ من أفعاله عبثا خاليا عن الفوائد وما ورد من الظواهر الدالة على تعليل أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض والعلة الغائية (تذنيب * إذا قيل لهم) أنتم قد أوجبتم الغرض في أفعاله تعالى (فما الغرض من هذه التكاليف الشاقة التي لا نفع فيها لله لتعاليه عنه ولا للعبد لأنها مشقة بلاحظ قالوا الغرض فيها) عائد إلى العباد وهو (تعريض العبد للثواب) في الدار الآخرة وتمكينه منه (فإن الثواب تعظيم) أي منفعة دائمة مقرونة بتعظيم وإكرام (وهو) أي التعظيم المذكور (بدون استحقاق سابق قبيح) عقلا ألا يرى أن السلطان إذا أمر بزبال وأعطاه من المال ما لا يدخل تحت الحصر لم يستقبح منه أصلا بل عد جودا وفضلا وإغناء للفقير وتبعيدا له عن ساحة الهوان بالكلية لكنه مع ذلك إذا نزل له وقام بين يديه معظما له ومكرما إياه وأمر خدمه بتقبيل أنامله استقبح منه ذلك وذمه العقلاء ونسبوه إلى ركاكة العقل وقلة الدراية فالله سبحانه لما أراد أن يعطي عباده منافع دائمة مقرونة بإجلال وإكرام منه ومن ملائكته المقربين ولم يحسن أن يتفضل بذلك عليهم ابتداء بلا استحقاق كلفهم ما يستحقونه به (فيقال عليه فلا يتصور بينهما الاتحاد بالذات (قوله لكنها ليست أسبابا باعثه الخ) لأن الباعث ما يكون مقصودا بالقصد الأولى ويكون القصد إلى الفعل لأجل تحصيله وأفعال الله تعالى ليست كذلك بل كلها مقصود بالقصد الأول لاستغنائه الذاتي (قوله بدون استحقاق سابق قبيح) قالوا وللأعمال تأثير في الاستحقاق لقوله تعالى جزاء بما كانوا يعملون ونظائره وأنت خبير بأن الاستحقاق بمعنى ترتب الثواب والعقاب على الأعمال مما لا نزاع فيه وأما بمعنى كون ذلك الترتب حقا لازما بحيث يذم تاركه كما زعموه فممنوع ولا دليل في الكتاب عليه (قوله ولم يحسن أن يتفضل بذلك عليهم ابتداء) فيه بحث وهو أنه لو سلم قبح التفضل بالثواب ابتداء لم يندفع بالتكليف إذ لا نسبة لطاعة العبد ولو استغرق عمره ولم يعصه طرفة عين إلى ما وعده الله تعالى من الثواب بفضله وجوده أن
(٢٠٥)