فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأت حفرها. وذكر أبو العباس أنه سمع ابن الأعرابي يقول: أنا أول من فطر هذا، أي ابتدأه.
والفطر، بالكسر: نقيض الصوم، فطر الصائم يفطر فطورا: أكل وشرب، كأفطر. وفطرته وفطرته، بالتشديد، وأفطرته. قال سيبويه: فطرته فأفطر نادر. قلت: فهو مثل بشرته فأبشر. ورجل فطر، بالكسر: للواحد والجميع، وصف بالمصدر، ومفطر من قوم مفاطير، عن سيبويه، مثل موسر ومياسير. قال أبو الحسن: إنما ذكرت مثل هذا الجمع لأن حكم مثل هذا أن يجمع بالواو والنون في المذكر، وبالألف والتاء في المؤنث.
والفطور، كصبور: ما يفطر عليه، كالفطوري، بياء النسبة، كأنه منسوب إليه.
والفطير، كأمير: خلاف الخمير، وهو العجين الذي لم يختمر، تقول: عندي خبز خمير وحيس فطير، أي طري. وفي حديث معاوية: ماء نمير، وحيس فطير أي طري قريب حديث العمل. وقال اللحياني: خبز فطير، وخبزة فطير، كلاهما بغير هاء، وكذلك الطين. وكل ما أعجل عن إدراكه فطير، وهكذا قاله الليث أيضا:
ويقال: أطعمه فطري، كسكرى، أي فطيرا، وهذا خلاف ما ذكره ابن الأثير أن جمع الفطير فطرى مقصورة، ثم رأيت المصنف قد أخذ ذلك من عبارة الصاغاني فحرفه ووهم فيها، وذلك أن نص الصاغاني: وأطعمة فطرى: من الفطير، كذا هو بخطه مجودا مضبوطا، جمع طعام، فظن المصنف أنه فعل ماض، وهو وهم كبير، فليحذر من ذلك، ولولا أني رأيت ابن الأثير وغيره قد صرحوا بأنه جمع فطير، وهو مقصور، لسلمت له ما ذهب إليه فتأمل.
والفطير: الداهية، نقله الصاغاني.
وفطير كزبير: تابعي. وفطير: فرضس وهبه قيس بن ضرار للرقاد بن المنذر الضبي، كذا نقله الصاغاني.
وفي التكملة: وقولهم " الفطرة صاع من بر " فمعنى الفطرة صدقة الفطر، هذا نص الصاغاني بعينه. وهنا للشيخ ابن حجر المكي كلام في شرح التحفة، حيث قال: الفطرة مولدة، وأما ما وقع في القاموس من أنها عربية فغير صحيح. ثم قال: وقد وقع له مثل هذا من خلط الحقائق الشرعية باللغوية شيء كثير، وهو غلط يجب التنبيه عليه. قلت: وقد وقع مثل ذلك في شروح الوقاية، فإنهم صرحوا بأنها مولدة، بل قيل: إنها من لحن العامة. وصرح الشهاب في شفاء الغليل بأنها من الدخيل. وإنما مراد الصاغاني من ذكره مستدركا به على الجوهري بيان أن قول الفقهاء الفطرة صاع من بر على حذف المضاف، أي صدقة الفطر، فحذف المضاف، وأقيمت الهاء في المضاف إليه لتدل على ذلك. وجاء المصنف وقلده في ذلك، وراعى غاية الاختصار مع قطع النظر أنها من الحقائق الشرعية أو اللغوية، كما هي عادته في سائر الكتاب، ادعاء للإحاطة، وتقليدا للصاغاني وابن الأثير فيما أبدياه من هذه الأقوال. فمن عرف ذلك لا يلومه على ما يورده، بل يقبل عذره فيه. والشيخ ابن حجر رحمه الله تعالى نسب أهل اللغة قاطبة إلى الجهل مطلقا، وليت شعري إذا جهلت أهل اللغة فمن الذي علم؟ وهل الحقائق الشرعية إلا فروع الحقائق اللغوية؟ وقد سبق له مثل هذا في التعزير من إقامة النكير، وقد تصدينا للجواب عنه هنالك على التيسير. والله يعفو عن الجميع، وهو على كل شيء قدير.
والفطرة: الخلقة. أنشد ثعلب:
هون عليك فقد نال الغنى رجل * في فطرة الكلب لا بالدين والحسب والفطرة: ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به. وقال أبو الهيثم: الفطرة: الخلقة التي خلق عليها المولود في بطن أمه، وبه فسر قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) (1). قال: وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة " يعني الخلقة التي فطر عليها في رحم أمه من سعادة أو شقاوة، فإذا ولده يهوديان هوداه في حكم الدنيا، أو نصرانيان نصراه في الحكم، أو مجوسيان مجساه في الحكم، وكان حكمه حكم أبويه حتى يعبر عنه لسانه. فإن مات قبل بلوغه مات على ما سبق له من الفطرة التي فطر عليها، فهذه فطرة المولود. قال: وفطرة ثانية،