وأنشد:
ياليت شعري عنكم حنيفا * وقد جدعنا منكم الأنوفا وأنشد (1):
ليت شعري مسافر بن أبي عم * رو، وليت يقولها المحزون أي ليت علمي، أو ليتني علمت، وليت شعري من ذلك، أي ليتني شعرت، وفي الحديث: ليت شعري ما صنع فلان " أي ليت علمي حاضر، أو محيط بما صنع، فحذف الخبر، وهو كثير في كلامهم.
وقال سيبويه: قالوا: ليت شعرتي، فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة، كما قالوا ذهب بعذرتها، وهو أبو عذرها، فحذفوا التاء مع الأب خاصة، هذا نص سيبويه، على ما نقله صاحب اللسان وغيره، وقد أنكر شيخنا هذا على سيبويه، وتوقف في حذف التاء منه لزوما، وقال: لأنه لم يسمع يوما من الدهر شعرتي حتى تدعى أصالة التاء فيه.
قلت: وهو بحث نفيس، إلا أن سيبويه مسلم له إذا ادعى أصالة التاء، لوقوفه على مشهور كلام العرب وغريبه ونادره، وأما عدم سماع شعرتي الآن وقبل ذلك، فلهجرهم له، وهذا ظاهر، فتأمل في نص عبارة سيبويه المتقدم، وقد خالف شيخنا في النقل عنه أيضا، فإنه قال: صرح سيبويه وغيره بأن هذا أصله ليت شعرتي، بالهاء ثم حذفوا الهاء حذفا لازما. انتهى. وكأنه حاصل معنى كلامه.
ثم قال شيخنا: وزادوا ثالثة وهي الإقامة إذا أضافوها، وجعلوا الثلاثة من الأشباه والنظائر، وقالوا: لا رابع لها، ونظمها بعضهم في قوله:
ثلاثة تحذف ها آتها * إذا أضيفت عند كل الرواه قولهم: ذاك أبو عذرها * وليت شعري، وإقام الصلاه وأشعره الأمر، وأشعره به: أعلمه إياه، وفي التنزيل: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون (2) أي وما يدريكم.
وأشعرته فشعر، أي أدريته فدرى.
قال شيخنا: فشعر إذا دخلت عليه همزة التعدية تعدى إلى مفعولين تارة بنفسه، وتارة بالباء، وهو الأكثر لقولهم: شعر به دون شعره، انتهى.
وحكى اللحياني: أشعرت بفلان: أطلعت عليه وأشعرت به: أطلعت عليه، انتهى، فمقتضى كلام اللحياني أن أشعر قد يتعدى إلى واحد، فانظره.
والشعر، بالكسر، وإنما أهمله لشهرته, وهو كالعلم وزنا ومعنى، وقيل: هو العلم بدقائق الأمور، وقيل: هو الإدراك بالحواس، وبالأخير فسر قوله تعالى: (وأنتم لا تشعرون (3))، قال المصنف في البصائر: ولو قال في كثير مما جاء فيه لا يشعرون: لا يعقلون، لم يكن يجوز، إذ كان كثير (4) مما لا يكون محسوسا قد يكون معقولا، انتهى، ثم غلب على منظوم القول: لشرفه بالوزن والقافية، أي بالتزام وزنه على أوزان العرب، والإتيان له بالقافية التي تربط وزنه وتظهر معناه، وإن كان كل علم شعرا [من] (5) حيث غلب الفقه على علم الشرع، والعود على المندل، والنجم على الثريا، ومثل ذلك كثير.
وربما سموا البيت الواحد شعرا، حكاه الأخفش، قال ابن سيده: وهذا عندي ليس بقوى إلا أن يكون على تسمية الجزء باسم الكل.
وعلل صاحب المفردات غلبته على المنظوم بكونه مشتملا على دقائق العرب وخفايا أسرارها ولطائفها، قال شيخنا: وهذا القول هو الذي مال إليه أكثر أهل الأدب، لرقته وكمال مناسبته، ولما بينه وبين الشعر - محركة - من المناسبة في الرقة، كما مال إليه بعض أهل الاشتقاق، انتهى.