الثاني: قول بعضهم في إذ من قوله تعالى (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون) إنها ظرف للمقت الأول، أو للثاني، وكلاهما ممنوع، أما امتناع تعليقه بالثاني فلفساد المعنى، لانهم لم يمقتوا أنفسهم ذلك الوقت، وإنما يمقتونها في الآخرة، ونظيره قول من زعم في (يوم تجد) إنه ظرف ليحذركم، حكاه مكي، قال:
وفيه نظر، والصواب الجزم بأنه خطأ، لان التحذير في الدنيا لا في الآخرة، ولا يكون مفعولا به ليحذركم كما في (وأنذرهم يوم الآزفة) لان يحذر قد استوفى مفعوليه، وإنما هو نصب بمحذوف تقديره اذكروا أو احذروا، وأما امتناع تعليقه بالأول - وهو رأى جماعة منهم الزمخشري - فلاستلزامه الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي، ولهذا قالوا في قوله:
783 - وهن وقوف ينتظرن قضاءه * بضاحي غداة أمره وهو ضامز إن الباء متعلقة بقضائه، لا بوقوف ولا بينتظرن، لئلا يفصل بين قضائه وأمره بالأجنبي، ولا حاجة إلى تقدير ابن الشجري وغيره أمره معمولا لقضى محذوفا لوجود ما يعمل، ونظير ما لزم الزمخشري هنا ما لزمه إذ علق (يوم تبلى السرائر) بالرجع من قوله تعالى (إنه على رجعه لقادر) وإذ علق أياما بالصيام من قوله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) فإن في الأولى الفصل بخبر إن وهو لقادر، وفى الثاني الفصل بمعمول كتب وهو كما كتب.
فإن قيل: لعله يقدر (كما كتب) صفة للصيام، فلا يكون متعلقا بكتب.
قلنا: يلزم محذور آخر، وهو اتباع المصدر قبل أن يكمل معموله، ونظير اللازم له على هذا التقدير ما لزمه إذ قال في قوله تعالى (وصد عن سبيل الله