ويخص البيانيون الاستئناف بما كان جواب لسؤال مقدر نحو قوله تعالى (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون) فإن جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدر تقديره:
فماذا قال لهم؟ ولهذا فصلت عن الأولى فلم تعطف عليها، وفى قوله تعالى (سلام قوم منكرون) جملتان حذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية، إذ التقدير سلام عليكم، أنتم قوم منكرون، ومثله في استئناف جملة القول الثانية (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون) وقد استؤنفت جملتا القول في قوله تعالى (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام) ومن الاستئناف البياني أيضا قوله:
615 - زعم العواذل أنني في غمرة * صدقوا، ولكن غمرتي لا تنجلي فإن قوله " صدقوا " جواب لسؤال [مقدر] تقديره: أصدقوا أم كذبوا؟
ومثله قوله تعالى (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) فيمن فتح باء (يسبح) تنبيهات - الأول: من الاستئناف ما قد يخفى، وله أمثلة كثيرة.
أحدها: (لا يسمعون) من قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الأعلى) فإن الذي يتبادر إلى الذهن أنه صفة لكل شيطان أو حال منه، وكلاهما باطل، إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وإنما هي للاستئناف النحوي، ولا يكون استئنافا بيانيا لفساد المعنى أيضا، وقيل: يحتمل أن الأصل " لئلا يسمعوا " ثم حذفت اللام كما في " جئتك أن تكرمني " ثم حذفت أن فارتفع الفعل كما في قوله:
616 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * [وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي] [ص 641] فيمن رفع " أحضر " واستضعف الزمخشري، الجمع بين الحذفين.