الجهة الثالثة: أن يخرج على ما لم يثبت في العربية، وذلك إنما يقع عن جهل أو غفلة، فلنذكر منه أمثلة.
أحدها: قول أبى عبيدة في (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) إن الكاف حرف قسم، وإن المعنى: الأنفال لله والرسول والذي أخرجك، وقد شنع ابن الشجري على مكي في حكايته هذا القول وسكوته عنه قال: ولو أن قائلا قال " كالله لأفعلن " لاستحق أن يبصق في وجهه.
ويبطل هذه المقالة أربعة أمور، أن الكاف لم تجئ بمعنى واو القسم، وإطلاق " ما " على الله سبحانه وتعالى، وربط الموصول بالظاهر وهو فاعل أخرج وباب ذلك الشعر كقوله:
[فيا رب أنت الله في كل موطن] * [وأنت الذي في رحمة الله أطمع] [343] ووصله بأول السورة مع تباعد ما بينهما.
وقد يجاب عن الثاني بأنه قد جاء نحو (والسماء وما بناها) وعنه أنه قال:
الجواب (يجادلونك) ويرده عدم توكيده، وفى الآية أقوال أخر، ثانيها: أن الكاف مبتدأ، وخبره فاتقوا الله، ويفسده اقترانه بالفاء، وخلوه من رابط وتباعد ما بينهما، وثالثها: أنها نعت مصدر محذوف، أي يجادلونك في الحق الذي هو إخراجك من بيتك جدالا مثل جدال إخراجك، وهذا فيه تشبيه الشئ بنفسه ورابعها - وهو أقرب مما قبله - أنها نعت مصدر أيضا، ولكن التقدير قل الأنفال ثابتة لله والرسول مع كراهيتهم ثبوتا مثل ثبوت إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون، وخامسها - وهو أقرب من الرابع -: أنها نعت لحقا، أي أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك، والذي سهل هذا تقاربهما، ووصف الاخراج بالحق في الآية، وسادسها - وهو أقرب من الخامس - أنها خبر لمحذوف، أي هذه الحال