ما ذكرناه من أنها للاعلام، إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك: صدقت، لأنه إنشاء لا خبر.
واعلم أنه إذا قيل " قام زيد " فتصديقه نعم، وتكذيبه لا، ويمتنع دخول بلى لعدم النفي. وإذا قيل " ما قام زيد " فتصديقه نعم، وتكذيبه بلى، ومنه (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) ويمتنع دخول لا، لأنها لنفى الاثبات لا لنفى النفي. وإذا قيل " أقام زيد " فهو مثل قام زيد، أعنى أنك تقول إن أثبت القيام: نعم، وإن نفيته: لا، ويمتنع دخول بلى، وإذا قيل " ألم يقم زيد " فهو مثل لم يقم زيد، فتقول إذا أثبت القيام: بلى، ويمنع دخول لا، وإن نفيته قلت: نعم، قال الله تعالى (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) (أو لم تؤمن قال بلى) وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه لو قيل نعم في جواب (ألست بربكم) لكان كفرا.
والحاصل أن " بلى " لا تأتى إلا بعد نفى، وأن " لا " لا تأتى إلا بعد إيجاب، وأن " نعم " تأتى بعدهما، وإنما جاز (بلى قد جاءتك آياتي) مع أنه لم يتقدم أداة نفى لان (لو أن الله هداني) يدل على نفى هدايته، ومعنى الجواب حينئذ بلى قد هديتك بمجئ الآيات، أي قد أرشدتك لذلك (1)، مثل (وأما ثمود فهديناهم).
وقال سيبويه، في باب النعت، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين:
فيقال له: ألست تقول كذا وكذا، فإنه لا يجد بدا من أن يقول: نعم، فيقال له:
أفلست تفعل كذا؟ فإنه قائل: نعم، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن.
وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين: إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد، وإن كان مرادا به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعيا للفظه، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الايجاب