بالغيبة وضم آخر الفعل: إن الفعل مسند للذين يفرحون واقعا على ضميرهم محذوفا، والأصل لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، أي لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين، و (فلا يحسبنهم) توكيد، وكذا قال في قراءة هشام (ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) بالغيبة: إن التقدير ولا يحسبنهم، والذين فاعل، ورده أبو حيان باستلزامه عود الضمير على المؤخر، وهذا غريب جدا، فإن هذا المؤخر مقدم في الرتبة، ووقع له نظير هذا في قول القائل: مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها، فقال: تقديم الحال هنا على عاملها وهو ذاهبة ممتنع، لان فيه تقديم الضمير على مفسره، ولا شك أنه لو قدم لكان كقولك " غلامه ضرب زيد " ووقع لابن مالك سهو في هذا المثال من وجه غير هذا، وهو أنه منع من التقديم لكون العامل صفة، ولا خلاف في جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف، ومن الغريب أن أبا حيان صاحب هذه المقالة وقع له أنه منع عود الضمير إلى ما تقدم لفظا، وأجاز عوده إلى ما تأخر لفظا ورتبة، أما الأول فإنه منع في قوله تعالى: (وما عملت من سوء تود) كون ما شرطية، لان (تود) حينئذ يكون دليل الجواب، لا جوابا، لكونه مرفوعا، فيكون في نية التقديم، فيكون حينئذ الضمير في (بينه) عائدا على ما تأخر لفظا ورتبة، وهذا عجيب، لان الضمير الآن عائد على متقدم لفظا، ولو قدم (تود) لغير التركيب، ويلزمه أن يمنع " ضرب زيدا غلامه " لان زيدا في نية التأخير، وقد استشعر ورود ذلك، وفرق بينهما بما لا معول عليه، وأما الثاني فإنه قال في قوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) إن فاعل بدا عائد على السجن المفهوم من ليسجننه شرح حال الضمير المسمى فصلا وعمادا والكلام فيه في أربع مسائل:
الأولى: في شروطه، وهي ستة، وذلك أنه يشترط فيما قبله أمران: