غير تعسف، وإن أراد مجرد الاغراب على الناس وتكثير الأوجه فصعب شديد، وسأضرب لك أمثله مما خرجوه على الأمور المستبعدة لتجتنبها وأمثالها.
أحدها: قول جماعة في (وقيله) إنه عطف على لفظ (الساعة) فيمن خفض، وعلى محلها فيمن نصب، مع ما بينهما من التباعد، وأبعد منه قول أبى عمرو في قوله تعالى (إن الذين كفروا بالذكر) إن خبره (أولئك ينادون من مكان بعيد) وأبعد من هذا قول الكوفيين والزجاج في قوله تعالى (ص والقرآن ذي الذكر):
إن جوابه (إن ذلك لحق) وقول بعضهم في (ثم آتينا موسى الكتاب):
إنه عطف على (ووهبنا له إسحاق) وقول الزمخشري في (وكل أمر مستقر) فيمن جر (مستقر): إن كلا عطف على (الساعة) وأبعد منه قوله في (وفى موسى إذ أرسلناه): إنه عطف على (وفى الأرض آيات) وأبعد من هذا قوله في (فاستفتهم ألربك البنات): إنه عطف على (فاستفتهم أهم أشد خلقا) قال: هو معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهما المسافة، انتهى.
والصواب خلاف ذلك كله.
فأما (وقيله) فيمن خفض، فقيل: الواو للقسم وما بعده الجواب، واختاره الزمخشري، وأما من نصب، فقيل: عطف على (سرهم) أو على مفعول محذوف معمول ليكتبون أو ليعلمون، أي يكتبون ذلك، أو يعلمون الحق، أو أنه مصدر لقال محذوفا، أو نصب على إسقاط حرف القسم، واختاره الزمخشري.
وأما (إن الذين كفروا بالذكر) فقيل: الذين بدل من الذين في (إن الذين يلحدون) والخبر (لا يخفون) واختاره الزمخشري، وقيل: مبتدأ خبره مذكور، ولكن حذف رابطه، ثم اختلف في تعيينه، فقيل: هو (ما يقال لك) أي في شأنهم وقيل: هو (لما جاءهم) أي كفروا به وقيل (لا يأتيه الباطل) أي لا يأتيه منهم، وهو بعيد: لان الظاهر أن (لا يأتيه) من جملة خبر إنه.